غداً، أوّل أيلول، الموعد مع الإثارة: كيف سيضغط الرئيس ميشال عون على الرئيس المكلّف سعد الحريري لتأليف الحكومة، وكيف سيواجهه الحريري؟ والأهمّ، سيكشف أيلول إذا حدَّد رئيس الجمهورية هذا الموعد بمبادرة منه، تدعيماً لصلاحياته الرئاسية، أم أنّه يمهِّد لحراكٍ مدروسٍ ومُركَّز سيُطلقه فريقه السياسي، 8 آذار، بدءاً من أوّل أيلول.
 

يتداول قريبون من «حزب الله» أنّهم يتوقعون ولادة الحكومة في أيلول، ويقولون: «لن يمرّ هذا الشهر بلا حكومة!». ولا يشرحون كيف السبيل إلى ذلك، فيما المؤشرات كلّها غير مشجعة.


لكنّ هؤلاء يقولون: «لقد طال الانتظار، والمرحلة لا تتحمّل المماطلة أكثر. وننتظر من الحريري أن يشكّل الحكومة خلال أيام، لا أسابيع، لأن لا مبرّرات داخلية مُقنِعة لاستمرار العرقلة. ونحن نعرف جيداً أنّ هناك إشارات ورهانات خارجية تعطّل التأليف، وقد آن الأوان لأن يتجرأ الحريري ويتصدّى لها قبل أن تقود البلد إلى مأزق خَطِر. وعلى هذا الفريق أن يتّعظ من الرهانات الخارجية التي لطالما قادته إلى الفشل والخراب».


أجواء «الحزب» هذه تدعم الانطباع بأنّ تحديد عون موعد الأول من أيلول لم يكن من قبيل المصادفة، بل هو يندرج ضمن حراك متناغم داخل المحور الذي يتحالف معه سياسياً. وهذا يعني أن عون سيبذل في أيلول كلّ جهدٍ لفرض ولادة الحكومة، سواء من خلال الاجتهادات الدستورية - ولو ضعيفة - أو من خلال الضغوط السياسية.


وفي الموازاة، سيلاقيه فريق 8 آذار بأوراق ضغط قوية. فالرئيس نبيه بري يلوِّح بجلسات تشريعية للمجلس النيابي في غياب الحكومة… فيما رسائل وزير المال علي حسن خليل تنذر باستحقاقات صعبة وكوارث مالية، إذا استمرّ البلد بلا حكومة فاعلة.


ولكن، ما الذي يدفع «حزب الله» إلى استعجال ولادة حكومة جديدة في أيلول؟


المطلعون يقولون انّ «الحزب» يتأهب لمواجهة الحملة التي تستهدفه في بعض دول الشرق الأوسط ولبنان، ضمن الحملة التي تستهدف نفوذ طهران الإقليمي. وهذه الحملة ستشهد فصولاً قاسية خلال الخريف المقبل، وقد تبلغ حدود المواجهة العسكرية.


وفي تقدير المطّلعين أن «الحزب» يتحسّس، للمرة الأولى، أن هناك احتمالاً لزعزعة الاستقرار اللبناني مدخلاً إلى ممارسة ضغط سياسي على الدولة اللبنانية بسبب احتضانها «حزب الله». وحتى اليوم، بقيت الضغوط الدولية والعربية تفكّ ارتباط «الحزب» بالدولة اللبنانية، ولطالما بقيت العقوبات تستهدف «الحزب» وكوادره ومؤسساته من دون أن تشمل الدولة اللبنانية ومؤسسات القطاعين العام والخاص التي تتعاطى مع «الحزب».


ولكن، هناك مؤشرات إلى أنّ دائرة العقوبات ستكون أكثر اتساعاً في المرحلة المقبلة، وستطاول تدريجاً مؤسسات تتعامل مع «الحزب». وهذا التطوّر يخشاه «الحزب» لأنّه يُفقِده المظلة التي يحتمي بها، أي مظلة الدولة اللبنانية.


فـ«حزب الله» يريد من عون في موقع رئاسة الجمهورية والرئيس سعد الحريري في رئاسة الحكومة، أن يوفّرا له الغطاء المؤسساتي الذي يقيم الاتصال بالمجتمع الدولي من خلاله. وعندما يتمّ استهداف هذه المؤسسات، يخسر «الحزب» هذا الغطاء ويصبح مكشوفاً في المواجهة. ولذلك، هو اليوم يريد بأيّ ثمن دفع الجميع إلى إحياء المؤسسات، وفي طليعتها الحكومة، كإطار، علماً أنه يسيطر عليها من الداخل.


وللأسباب إيّاها، هو لا يريد خسارة الحريري في موقع رئاسة الحكومة، ويمنحه الوقت الكافي ليعود إلى تسوية 2016، وفقاً للرؤية التي سادت حتى اليوم. وهو على يقين بأنّه سيرضخ لها في النهاية، ولكنه يحذّر من أن تقود المماطلة في التأليف إلى تعقيدات غير محسوبة ولا تلائم مصالحه. ولذلك، فهو يريد استعجال التأليف.


وفي اعتقاد المتابعين أن «الحزب» وحلفاءه لا يفضّلون تبديل الحريري، وسيواصلون الضغط لدفعه إلى التنازل. ولذلك، برزت عقدة التمثيل السنّي التي كانت نائمة. فـ«الحزب» يراعي رغبة الحريري في حيازة التمثيل السنّي إذا كان سيؤلف الحكومة وفقاً لشروطه، لكنّ موقفه يتبدّل إذا «عانده» الحريري في التأليف. ويدرك «الحزب» أن مواجهة المأزق الاقتصادي - المالي تقتضي متابعة المكاسب التي أقرّها مؤتمر «سيدر». ولذلك، فإنّه يستفيد من الدفع الذي تمارسه القوى الدولية، والأوروبية خصوصاً، من أجل قيام حكومة فاعلة تستطيع تحصيل المكاسب المحقّقة في المؤتمر.


وفي الوقت عينه، يفتح «الحزب» مسار العلاقات بين بيروت ودمشق، على مصراعيه، وعلى أرفع المستويات، بالزيارات المتبادلة، بحيث يكون الأمر محسوماً ولا يلقى اعتراضات ذات شأن داخل الحكومة المقبلة، أيّاً تكن تركيبتها وأيّاً يكن بيانها الوزاري.


وإلى ذلك، يستعجل «الحزب» قيام حكومة فاعلة لمواجهة التحديات الآتية من لاهاي، بعد بلوغ المحكمة الدولية فصولها النهائية. والأفضل أن يكون الحريري ضمن تركيبة الحكم، لا خارجها، عند بلوغ المحكمة قراراتها النهائية.


إذاً، «حزب الله» وحلفاؤه يريدون من الحريري تأليف الحكومة في أقرب فرصة، وأيلول هو الحدّ الأقصى، ولكن وفق النموذج الذي يريدونه. فماذا لو لم يستجب، بسبب بعض التأثيرات الخارجية؟


يعتقد البعض أن الحريري مرتاح إلى أنّه قوي بالدستور، وإلى أنّه يشكل حاجة داخلية وخارجية لا بديل منها لـ«الحزب» وحلفائه. ولذلك، سيمضي في المواجهة إلى أن يجد نفسه مرتاحاً إلى تشكيلة الحكومة وبرنامجها.


لكن آخرين يخشون العواقب، ويحذّرون: في حالات مماثلة، لم تمرّ الأمور على ما يرام. وعندما «ينحشر» هؤلاء إلى هذا الحدّ، لا يوفّرون وسيلة لفرض خياراتهم. والنماذج كثيرة.