يدرك الرئيس سعد الحريري أن التحديات التي يواجهها على صعيد تشكيل الحكومة، والحديث المتكرر عن المهل المعطاة له، والتهديد بإمكانية سحب التكليف منه، تفرض عليه أن يتحصن برؤساء الحكومات السابقين وعبرهم بالشارع السني الذي تراجع حضوره السياسي والشعبي فيه بشكل مطرد، وقد تُرجم ذلك مؤخرا في الانتخابات النيابية..

يبدو واضحا أن الحريري يسعى الى الاستفادة من نادي رؤساء الحكومات السابقين، ومن الرئيس نجيب ميقاتي تحديدا، لتفعيل مؤسسة رئاسة الحكومة وتعزيز دورها وحضورها في المعادلة اللبنانية، بما يقطع الطريق على أي تيار سياسي يحاول النيل من صلاحيات رئيس الحكومة أو مصادرتها أو فرض أعراف جديدة على إتفاق الطائف، وبما يوفر مظلة أمان له تحميه من سحب التكليف منه، وتساعده على إنجاز التشكيلة الحكومية بعيدا عن ضغوطات المهل.

يدرك الحريري أيضا، أنه يحتاج أكثر من أي وقت مضى الى الرئيس ميقاتي الذي يشكل اليوم خط الدفاع الأول عن موقع رئاسة الحكومة، وعن الصلاحيات وعن إتفاق الطائف، وهو دفع ثمن ذلك حتى الآن كثيرا من الافتراءات ومحاولات الاستهداف، لأن القاصي والداني يعلم بأن وقوفه الى جانب الحريري يمنح الرئيس المكلف مناعة وقوة، ويخفف عنه الضغوطات السياسية التي يحاول البعض إستدراجه من خلالها لتقديم المزيد من التنازلات.

لا شك في أن ميقاتي تعالى على كثير من الخلافات السابقة مع الحريري، وتجاوز كثيرا من “الحروب الزرقاء” المفتوحة عليه، حرصا منه على هيبة الموقع السني الأول في لبنان، وعلى الصلاحيات التي كرسها إتفاق الطائف، وإدراكا منه بأن ثمة خطرا حقيقيا يحيط بهذه الصلاحيات التي تحاول بعض التيارات السياسية الضغط باتجاه مصادرتها بالممارسة وليس بالنصوص.

تشير المعلومات الى أن الرئيس الحريري طلب من رؤساء الحكومات السابقين أن يتشاور معهم، وقد لبى الرئيسان ميقاتي وفؤاد السنيورة دعوته الى بيت الوسط وغاب الرئيس تمام سلام بداعي السفر، حيث وضعهما الحريري في أجواء عملية التأليف والضغوطات التي يتعرض لها، وإستمع الى وجهات نظرهما ونصائحهما في هذا المجال، وأن الأجواء كانت إيجابية ومريحة للغاية.

هذه الأجواء الايجابية يتطلع كثير من المتابعين الى أن تكون مقدمة لتعزيز التوافق السياسي السني في لبنان، وهو أمر منوط بالرئيس الحريري الذي من المنتظر أن يرد التحية بأحسن منها، وأن يترجم إعترافه بالشراكة على الساحة السنية، توافقا مع الرئيس ميقاتي في كثير من الأمور بدءا بتمثيله في الحكومة بوزير سني وبحقيبة ترضيه وترضي طرابلس، لأن المعركة المحتدمة على المقاعد المسيحية تجعل الحريري غير قادر على توزير أي شخص من غير طائفته باستثناء عملية التبادل السني ـ المسيحي التي يُحكى عنها مع رئيس الجمهورية، إضافة الى ضرورة التوافق مع ميقاتي على الاستحقاقات المقبلة من إنتخابات مفتي طرابلس الى إنتخابات سائر النقابات الأخرى، فضلا عن سعي الحريري الجدي للافراج السريع عن مشاريع طرابلس الانمائية الملحة والنائمة في أدراج بعض الوزارات، وفي مقدمتها ″نور الفيحاء″.