رسالتان أساسيتان انطوى عليهما موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في الذكرى السنوية الأولى لمعركة جرود عرسال. الرسالة الأولى داخلية وتتصل بالمحكمة الدولية، إذ دعا بعض الأفرقاء إلى عدم الرهان عليها وعلى ما قد تصدره، قائلاً: "لا تلعبوا بالنار". والرسالة الثانية تتصل بالشق السوري من مهمات الحزب في المرحلة المقبلة، في ضوء التطورات الأميركية الضاغطة على إيران، وتوقيع اتفاقيات عسكرية جديدة بين طهران ودمشق. الرسالتان تكمّل كلٌّ منهما الأخرى، ومفادهما أن الحزب مستعد للتصعيد سواء أكان في لبنان أم في سوريا إذا ما استمر الضغط. وبالتالي كثرة الضغوط قد تحتاج إلى تنفيس في مكان ما.

الرسالة اللبنانية واضحة، فحزب الله ماضٍ في سياسته ومواقفه، وغير مستعد للتنازل، ولو اضطر إلى التصعيد فإنه قد يلجأ إليه إذا ما أريد للمحكمة الدولية أن تكون سيفاً مسلطاً ضد الحزب، وتستخدم في إطار تغيير بعض موازين القوى. والأهم ليس ما قاله نصرالله فحسب، بل ما رددته مصادر قريبة من الحزب أو بعض الاجواء المحيطة به، ووصلت إلى حدّ التلويح بإمكانية تكرار تجربة أحداث السابع من أيار. هذه تبقى مستبعدة في ظل الظروف الحالية طالما أن حزب الله مرتاح على وضعه في لبنان وقابض على المفاصل السياسية. وهذه خطوة لن تتخذ إلا في حال حصلت تغيرات دراماتيكية.

في البحث عن أسباب تناول نصرالله المحكمة وما قد يصدر عنها، يضعها البعض في سياق الرد على مواقف لبنانية تنتظر قرار المحكمة المتأخر أصلاً، ولكن ذلك لا يخلو من رسالة أساسية، اختصرت بعدم اللعب بالنار. وهذا ما يدفع هؤلاء إلى التساؤل إذا ما كان لدى الحزب معلومات تشير إلى إمكانية إدانته في قرار المحكمة أو حكمها. وهو ما استدعى هذا الهجوم، أو أن نصرالله يستبق أي حالة يمكن أن تنجم عن حكم المحكمة.

وفق منطق الاستباق، فإن هذا التصعيد هدف ليكون نوعاً من مواجهة استحقاقات معينة. وهي عبارة عن رسم خطوط حمراء حول بعض النقاط والتوجهات. أي فرض وقائع جديدة تمنع البحث في قضايا يعتبر الحزب أنها من المسلّمات ولا يمكن القبول بالاقتراب منها. لذلك، فإن منهجية الحزب هي التفكير في عقلية أمنية وسياسية وعسكرية في آن معاً لمواجهة أي خطر سياسي محدق.

واستكمالاً للرسالة اللبنانية، ثمة صدى سوري في منطق نصرالله، وهو إشارته البارزة إلى استمرار الحزب في قتاله في أي منطقة أخرى في سوريا. وهنا، لا يقصد إدلب التي أصبح أمر خوض معركتها حتمياً للوصول إلى حلّ على غرار درعا والغوطة. إنما الأساس في الرسالة هو ما جرى توجيهه إلى الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية، بقوله لهم: "إن واشنطن ستتخلى عنهم في أي وقت". ولا بد من الربط بين الموقفين، لجهة استنتاج أن الحزب سيكون جاهزاً لخوض معركة في الشرق السوري، ضد القوات الأميركية هناك. على أن تكون هذه المعركة غير مباشرة، وتقوم على مبدأ تشكيل خلايا سورية واسنادها تنفيذ عمليات ضد الأميركيين، على أن يكون ذلك مرتبطاً بمدى التصعيد الأميركي ضد إيران واستمرار الضغط الاقتصادي والسياسي عليها. بالتالي، فإن الردّ قد يكون إما في لبنان أو في سوريا ضد الأميركيين، ليكون ذلك ردّاً على الممارسات الأميركية التي ستتوج بتطبيق العقوبات النفطية على طهران بعد شهرين. في المقابل، تنفي مصادر قريبة من حزب الله هذه السيناريوهات، معتبرة أن المواقف التي يتخذها تنبع من قناعة مبدئية لا تحكمها أي تطورات سياسية.