قد تكون المخاوف من انهيارات أو انفجارات لبنانية في أيلول، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، متسرّعة إلى حدّ ما. فالوضع يزداد صعوبة أكثر فأكثر، لكنّ الصمود ممكن لأسابيع. إلّا أنّ الخبراء يتقاطعون على أنّ الأشهر الثلاثة المتبقية من السنة الجارية ستشهد تعقيدات خطرة جداً... وإذا لم يتجاوزها لبنان فإنه سيكون مرشّحاً لانفجارات أو انهيارات حقيقية بين نهايات 2018 وبدايات 2019.
 

السؤال الأبرز هو: في ظلّ الترهّل الذي تعيشه السلطة المركزية في لبنان، ونفوذ «حزب الله» القوي داخل المؤسسات، كيف سيتأثر لبنان بالمواجهة الدائرة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى؟


وفي عبارة أوضح: هل سيعمل «حزب الله» للحؤول دون أن تؤدي هذه المواجهة إلى إصابة لبنان الدولة في شكل خطِر، سياساً واقتصادياً وأمنياً، وكيف؟


وفي المقابل، هل إنّ واشنطن، بعقوباتها على إيران و»حزب الله»، ستأخذ لبنان كله في طريقها أم ستستمرّ في سياسة الحفاظ على استقرار الدولة اللبنانية وتتجنّب إصابتها بالأضرار، نتيجة المواجهة مع إيران وحلفائها؟


في أيار الفائت، أعلن ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وفي مطلع الشهر الجاري، بدأ تنفيذ الشقّ الأول من العقوبات عليها. وهو يقضي بمنع تداول الدولار معها وفرض حظر على المؤسسات والدول التي تتعاطى معها. كما يفرض حظراً على قطاعات المعادن وبعض الصناعات والتكنولوجيا الإيرانية.


ولكن، سيكون الأمر أكثرَ حساسية عندما يبدأ تنفيذ الشقّ الثاني مطلع تشرين الثاني المقبل، لأنّ العقوبات ستشمل النفط، المصدر الأساسي لقوة إيران، إضافة إلى قيود تشمل المصرف المركزي الإيراني وتعاملاته المالية والشركات التي تدير الموانئ الإيرانية.


وفي هذه الحال، سيكون الضغط الأميركي على إيران وحلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن قد بلغ الذروة. وبالتأكيد، ستلاقيه إسرائيل بضغوط لمنع إيران وحلفائها من امتلاك نقاط عسكرية قريبة من حدودها الشمالية مع لبنان وسوريا.


وسيعمل المحور الذي تقوده الولايات المتحدة على عزل إيران عن نظام الرئيس بشّار الأسد شرطاً للاعتراف ببقائه في السلطة حتى إنجاز التسوية السياسية.

 

وهذا الخيار تشجعه موسكو التي حصلت على تغطية أميركية وإسرائيلية لدورها في سوريا، ولكنّ إيران ترفضه بقوة. وستكون هذه المسألة محور القمة الثلاثية، الروسية - الإيرانية - التركية، التي تستضيفها طهران في 7 أيلول المقبل.


حتى اليوم، تمكّن الروس من امتصاص الصدمة بين إيران وإسرائيل لمنع حصول مواجهة عسكرية بينهما، من خلال إبعاد الحضور العسكري الإيراني إلى أكثر من 85 كيلومتراً عن الحدود في الجولان. لكنّ الإيرانيين وحلفاءَهم يرفضون فكّ ارتباطهم تماماً مع نظام الأسد، فهم دفعوا في سوريا المليارات وتكبّدوا كثيراً من الخسائر البشرية على مدى 7 سنوات من القتال.


ووفق عدد من المتابعين، سيتصدّى الإيرانيون للضغط الأميركي - الإسرائيلي سياسياً واقتصادياً، في محاولة الحصول على تغطية روسيا وتركيا والأوروبيين. كما أنهم قد يقدّمون الإغراءات لبعض الدول العربية، كالمملكة العربية السعودية، لجذبها إلى خارج محور المواجهة الأميركي.


ولكن، على الأرجح، ستبوء هذه المحاولة بالفشل، لأنّ السعوديين يرون- بوجود ترامب- فرصة لا يجوز تفويتها لإضعاف نفوذ إيران في منطقة الخليج والشرق الأوسط بأسره.


وفي اعتقاد هؤلاء أنّ الضغط لإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا سيكون حيوياً لإخراج سوريا من دائرة هذا النفوذ وقطع التمدّد الإيراني إلى لبنان وشاطئ المتوسط. وهو ما يؤدي إلى إفقاد طهران ورقة عسكرية قوية، ويسهّل لاحقاً إضعاف نفوذها في العراق وإبعاده عن الخليج العربي.


هذا الخيار تدرك طهران نتائجه التي سترتدّ سلباً على نفوذها. لذلك، هي ستقاوم الضغوط بكل الوسائل. وثمّة مَن لا يستبعد أن تبلغ بها المواجهة حدّ استخدام القوة العسكرية. وهنا يصبح دور «حزب الله» أساسياً. وقد تقع المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في سوريا، لكنها قد تقع بين إسرائيل و»حزب الله» في سوريا والجنوب اللبناني.


وهنا، يجدر النظر بأهمية إلى المناورات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، التي جرت فيها محاكاة قرى لبنانية جنوبية يتمركز فيها «حزب الله». وغالباً ما ساد الاعتقاد بأنّ قرع طبول الحرب بين إسرائيل و«الحزب» ليس سوى مناورة يحتاج إليها أحد الطرفين سياسياً. ولكن، هذه المرّة، قد تكون الضربة العسكرية واردة، لأنّ مقوّماتها المنطقية موجودة على المستويين الدولي والإقليمي.


وفي الأجواء، أنّ واشنطن تراجعت عن طرحها الانسحاب من سوريا، لأنّ موسكو فشلت في انتزاع قرار من الأسد بالفصل بينه وبين طهران. وعلى العكس، يلوِّح الأميركيون بتوجيه ضربات جديدة إلى قوات النظام، ويستقطبون مزيداً من قواهم البحرية إلى المتوسط. وهو ما تترصّده روسيا بقلق.


إذاً، الضربة الأميركية قد تقع، والضربة الإسرائيلية كذلك. ولكن، سيكون صعباً على إيران أن تتراجع تاركة للأرض السورية أن تبتلع حلم الإمبراطورية القديم والتضحيات الهائلة التي قدّمتها، بالمال والعتاد والمقاتلين من لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن وباكستان وأفغانستان وسواها.


وهكذا، سيشهد أيلول المقبل فصولاً جديدة من التصعيد، إلّا أنّ أحداً لا يستطيع ضبط الساعة الصفر للمواجهة، ولا تحديد المكان الذي ستقع فيه. ومن المؤكد أنّ لبنان سيكون في قلب المواجهة أو على الأقل سيكون ساحةً خلفيةً لها. ولذلك، هناك مخاوف من عجز لبنان عن تَحمُّل التبعات هذه المرة، لأنه في ظروف أسوأ من أيِّ ظروف مواجهة سابقة مع إسرائيل:


هو اليوم بلا حكومة فاعلة، ويشهد شرخاً سياسياً عميقاً على خلفية نزاع المحاور الإقليمية، وعلى شفير مأزق اقتصادي - اجتماعي ومالي، وربما لن يحظى بالتغطية العربية والدولية المعتادة لإنقاذه، فيما مؤسساته متداعية في معظمها. ولا يمكن إهمال موقع المحكمة الدولية التي تدخل في الأشهر المقبلة مراحل حسّاسة من عملها. وعموماً، يبدو لبنان فاقداً لاستقلاله السياسي والأمني والاقتصادي.


ولذلك، قد تؤدي أيّ مغامرة عسكرية تشمل «حزب الله» إلى اهتزازات لبنانية يصعب ترميمُها. وتقع على «الحزب» مسؤولية أساسية في تجنّب الدخول في أيّ مغامرة شرق أوسطية محتملة. وإلّا، فإنّ لبنان سيكون مرشّحاً لانهيار أو انفجار في الأشهر الأخيرة من هذا العام أو الأولى من العام المقبل. ومن الصعب تقدير مَن سيبادر إلى التسبّب بالمواجهة، استباقاً للآخر!