للشهر الرابع على التوالي، تترنّح حكومة لبنان بين ألغام الحصص، ومع اقترابنا من ساعة الصفر التي لوّح بها رئيس الجمهورية ميشال عون، تزداد العقد اشتعالاً، فلا شيء في الافق يوحي بولادةٍ قريبة للحكومة، أما الرئيس المكلّف ومع غياب نص قانوني يحدد فترة تكيلفه يبدو أنه سيبقى مكلفاً إلى أجلٍ غير مسمى.

يربط كثيرٌ من المعنيين هذا "الاجل غير المسمى" بأمر عمليات خارجي، ولا يتوانَون عن الإشارة سراً وعلانية إلى المملكة العربية السعودية، علماً أنّه على رضى الأخيرة على الحريري نفسه علامات استفهامٍ كبيرة.

يهمس دبلوماسي سعودي في أذن صديقه اللبناني الذي سأله عن موعد تشكيل الحكومة: "الحريري ليس رئيساً للحكومة، الحريري رئيسٌ مكلف حتى الساعة"، ينقل اللبناني المقرّب من المستقبل أجواء الحديث الذي دار بينه وبين الدبلوماسي السعودي قبل أيامٍ من عيد الاضحى، ويؤكد لـ"ليبانون ديبايت" أن السعودية اقرب اليوم لوزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال نهاد المشنوق. وبعد زيارة الأخير للسعودية عاد برضى القيادة السعودية الجديدة. 

يفسّر المصدر نفسه هذا الكلام بعدم رضى السعودية على الحريري، فلم تنسَ المملكة حتى اليوم ما حصل بعد استقالة الحريري من الرياض، ولن تنسى أنه واحداً من أرباب العهد القديم، لكن منع الالتفاف اللبناني الجامع حوله يوم استقالته المشبوهة من أن يصل موس التطهير لرأسه، إذ علمت يومها السعودية أن طبخة الزعيم السني البديل لم تنضج بعد.

"السعودية تريد المشنوق رئيساً للحكومة، لكنها تعلم أن لا رضى داخلي على المشنوق اليوم، ما يجعل المملكة تتمهل في فرضه على الساحة السنية" ويتابع المصدر "دخل المشنوق نادي رؤساء الحكومة بعد زيارته الأخيرة للسعودية، لكن أن يصبح رئيساً للحكومة المقبلة فدون ذلك عقبات، ما يؤجل طموحه الحكومي إلى حكوماتٍ لاحقة".

علماً أن المشنوق يتلقى دعماً من تيار المستقبل نفسه، لكن من تحت الطاولة، وهو يتفوق على الحريري في التنسيقيات، وجزء كبير من أعضاء مجموعة العشرين يدعمونه، ولعلّ محاربة المشنوق في الانتخابات النيابية الأخيرة من الحريري والمقربين منه خير دليل على ارتفاع اسهم الأول.

ليس المشنوق لوحده يُعتبر مبعداً اليوم عن الحريري ومقرباً من السعودية، إذ أن رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة يحظى برضى المملكة أيضاً لكن ليس بدرجة الرضى نفسها التي ينعم بها المشنوق، وتصف مصادر سياسية السنيورة بالجمر تحت الرماد، وتؤكد لـ"ليبانون ديبايت" أنه ينتظر الفرصة المناسبة للإنقضاض على الحريري، والانشقاق بشكل عملي عن المستقبل، وتكشف بأن تحركات عديدة حصلت على الساحة الشمالية بتحريض من السنيورة.

فقام الأخير بالاتفاق مع مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان بتقديم الدعم المطلق للنائب السابق كاظم الخير الذي انضم للائحة رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، المنافسة لتيار المستقبل في المنية، في الانتخابات النيابية، ما انعكس على النتائج بشكل واضح، اذ لم يتجاوز الفارق بين الخير والنائب الحالي عثمان علم الدين الـ 3000 صوت، بينما كان الفارق بين مرشحي المستقبل وأقرب منافسيهم يصل إلى 8000 صوت في الاستحقاقات النيابية السابقة.

كما ان الصورة المسيئة لأمين عام تيار المستقبل احمد الحريري والتي رُفعت في طرابلس على دوار السلام، قبل أسابيع، وأزالها فرع المعلومات بعد 3 ساعات، عاد وعلق طرابلسيون ثلاث صور بدلاُ عنها في نفس الموقع بعد إزالتها، موقّعة باسم شمالي من آل حسون معروف بولائه للسنيورة، حسب المصادر.

وبالعودة لكلام الدبلوماسي السعودي، لا بدّ من الإشارة إلى أن كلامه يتوافق في مكانٍ ما مع كلام القائم بالاعمال السعودي في لبنان وليد البخاري الذي صرح خلال إحدى لقاءات "فنجان قهوة" قائلاً: "نتمنى ألا يكون عهد الرئيس ميشال عون عهد تصريف أعمال"، ما يعكس النظرية التي تحاول السعودية فرضها على الواقع الحكومي، فكلما تأخر التشكيل كلما صبّ الواقع السياسي في دفة وجهة النظر السعودية، وتحويل العهد "القوي" لعهد تصريف أعمال، وبالتالي إبقاء الحريري في مربّع الرئيس المكلف لا أكثر.