من المعيب جداً، بأن يُقال أن الرئيس نبيه بري لا يريد كشف ما عنده من معلومات بسبب حاجته السياسية لإبقاء الملف مبهماً
 

 

أربعون عاماً مضت على تغييب الإمام موسى الصدر، أربعون عام وفي العين قذى وفي الحلق شجى ويزداد الغموض مع مرور السنين  فلا الإمام مسجون ليُعمل على الإفراج عنه ولا هو شهيد لنترحم عليه .

 

ولا نتحدّث هنا عن شخصية عادية، أو مجرد مواطن لبناني اختفى في ظروف غامضة وهو برحلة سياحية أو بورشة عمل في بلاد الإغتراب! نحن نتحدث عن الإمام موسى الصدر، هذا العملاق الإستثنائي الذي لعب دوراً كبيراً في تاريخ لبنان وكان له علاقات واتصالات داخل حدود الوطن وخارجه وعلى إمتداد العالم .

 

لا شكّ ولا ريب أن حضور الإمام ونشاطه ومشروعه اللبناني وإيمانه بوطنه كان محل إستنكار وشجب كثيرين، وكان له أعداء بحجم تأثيره وفعاليته، فالمتضررون من حركة الإمام ومساعيه الجبّارة في نقل لبنان من ساحة صراع وصندوق بريد إلى وطن حقيقي محكوم من دولة حقيقية محكومة للدستور وترعى مواطنيها على قدم المساواة همّ كل أولئك الذين لا يريدون من لبنان أن يصل إلى هذا المكان الذي كان يطمح إليه الإمام، فكان قرار إزاحته عن المشهد السياسي اللبناني هو قرار كل تلك الشياطين الذين يتربّصون بلبناننا شراً.

 

والإمام هو واحد من سلسلة رجالات هذا الوطن الذين حملوا نفس الهموم والتطلعات، من كمال جنبلاط وسليم اللوزة وبشير الجميل وصولاً إلى رفيق الحريري، ومن الخطأ الفادح والجسيم أن نفصل بين واحد من هؤلاء .

 

إقرأ أيضا : موسى الصدر/ نبيه بري/ طائفية الدولة..

 

 

يبقى التساؤل المرير الذي يطفو على صدورنا كلبنانيين بشكل عام وكشيعة بشكل خاص في كل عام من هذا الوقت عن سبب هذا الضباب الكثيف الذي يلف قضية الإمام أكثر من غيره من الملفات المماثلة التي تكشفت تفاصيلها أو عناوينها  وعُرِف الجاني ولو تلميحاً إن لم يكن صراحة ؟!

 

فبلمحة سريعة على شخصيات السلسلة التي ذكرناها، يتبين أن الإمام الصدر هو الشخصية الشيعية الوحيدة بين كل الشهداء الذي قضوا على مذبح هذا الوطن، وعليه فإن تموضع الطائفة السياسي والدور المرسوم لها هو السبب الأول والأخير في عدم كشف المستور.

 

من المعيب جداً، بأن يُقال أن الرئيس نبيه بري لا يريد كشف ما عنده من معلومات بسبب حاجته السياسية لإبقاء الملف مبهماً، وأنه يستفيد من هذه القضية الحسّاسة لمآرب زعامتية. فهذا الكلام لا يعدو أكثر من كلام سخيف لا يدل إلا على غباء مُطلقه، لأن الرئيس بري له من الحضور والشعبي والتأييد الجماهيري ما لا يُمكن أن يخاف عليه إذا ما تكشفت الحقيقة مهما كانت، وربما يكون الموضوع على العكس تماماً، بحيث يكون الرئيس بري هو المتضرّر الأول من إبقاء سرّ إخفاء الإمام قيد الكتمان، ولولا قوة حضوره لما أمكنه من الإحتفاظ طيلة أربعين سنة من الإمساك بهذا الأمر على ما هو .

 

أعتقد جازماً بأن حال الرئيس بري بمسألة الإمام الصدر هو تماماً كما كان حال وليد جنبلاط  إبان الوصاية السورية حيث قرّر زعيم المختارة لسنوات طويلة التعايش مع قتلة والده فقط من أجل الحفاظ على طائفته وعدم أخذها إلى ما لا يُحمد عقباه في ظل قوة حضور وبطش النظام  السوري يومها، وكذلك نبيه بري فهو يتعايش مع خاطفي وقاتلي الإمام الصدر، إذ أنّ  أي خيار آخر قد يعني ضياع الطائفة.