صار من الضروري رفع مستوى الضغط السياسي من باب تصويب مشاورات التأليف
 

ما بين خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله نهاية حزيران الماضي، وخطابه في ذكرى 14 آب الماضي، كثير من الكلام بين السطور. وبين التاريخين، مرحلة متدرِّجة في مواقفها، مرشّحة للتمديد والتصعيد طالما أنّ مؤشّرات ولادة الحكومة لا تزال سلبية.
في المرّة الأولى أصرّ نصر الله على تشكيل حكومة وحدة وطنية موسّعة، بينما كان بعض حلفائه وتحديداً «التيار الوطني الحر» يحاول تمرير حكومة «طابشة» مسيحياً لمصلحته من خلال إحراج «القوات» لإخراجها. ودعا الأمين العام لـ»حزب الله» إلى توحيد معايير التأليف واحترام نتائج الانتخابات النيابية.


إلّا أنّ الأهم من ذلك، هو الوديعة التي أودعها رسائله العابرة للاصطفافات السياسية، حيث قال بوضوح «نحن 30 نائباً فنريد حجمنا الطبيعي وليس حجمنا 6 وزراء فقط. وأنا لا اقول هذا من باب التعقيد وانما لدعوة الآخرين إلى التسهيل والتسريع والتواصل والتواضع والى دفع الامور باتّجاه الإيجابية المطلوبة».


وما لم يقله الأمين العام هو أنّ للثنائي الشيعي هامشَ حضور نيابي وشعبي يسمح له بالمطالبة بتمثيل وزاري يتخطّى الكوتا الشيعية المحدّدة بستة وزراء في الحكومة الثلاثينية. وهو سيجيّر هذا «الفائض» لمصلحة حلفائه وتحديداً تيار «المردة» وما يُسمى بـ«المعارضة السنّية».


وفي المرة الثانية تجاوز نصر الله الحدود اللبنانية بعدما تخطّت الخلافات والتجاذبات مربّع المهلة الكلاسيكية للتأليف منذرةً بدخول العامل الإقليمي على الطبخة الحكومية، حيث قال الأمين العام: «إذا كان هناك أيُّ أحد يراهن على متغيّرات اقليمية تؤثر على تشكيل الحكومة فهو مشتبه، نحن منذ البداية كنا متواضعين في مطالبنا وما زلنا ولكن إذا ثبت أنّ البعض يراهن على متغيّرات إقليمية فإنه من حقنا أن نعيد النظر في مطالبنا».


اذاً، بدا واضحاً أنّ الرسم البياني لمواقف «حزب الله» يأخذ منحىً تصاعدياً، سرعان ما عبّر عنه «التكتل الوطني» الذي طالب منذ يومين إثر اجتماعه، بحقيبتين بينهما الأشغال العامة أو الطاقة.


عملياً، لم يكن ما أدلى به النائب فريد الخازن بعد الاجتماع، أمراً جديداً أو مفاجِئاً. سبق لـ«تيار المردة» أن أبلغ رئيس الحكومة المكلف خلال مشاورات التأليف، أنّ «التكتل الوطني» يطالب بحقيبتين، واحدة منهما من الحقائب الخدماتية الثلاث: الأشغال العامة أو الطاقة أو الاتّصالات، على أن تكون الثانية للطائفة السنّية.


الجديد هو انتقال هذا الفريق من مربّع الانتظار إلى مربّع وضع الاصبع على الجرح لقول الأمور كما هي، بعدما تبيّن بالوجه الشرعي، كما يقول أحد نوّاب «التكتل الوطنيّ»، أنّ العقدة خارجية بامتياز تتصل برهانات البعض على متغيّرات إقليمية من شأنها أن تقلب نتائج الانتخابات النيابية، وتالياً معايير تشكيل الحكومة.


هكذا، وثّق «التكتل الوطني» مطالبه بحقيبتين، ليرفع منسوبَ السجال مع رئيس الحكومة المكلف الذي يُهمل كلياً مسألة توزير سنيّ من خارج تيار «المستقبل»، فيما يتعامل مع «المردة» على أنّ حصّته من الكعكة الحكومية لا تصل عتبة «الحقائب الدسمة».


ويرى النائب أنّ هناك أطرافاً تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى ما قبل التسوية الرئاسية التي أتت بقانون جديد للانتخابات وبميزان قوى برلماني جديد، إذ تحاول أيضاً تجاوز كل هذه المعطيات لنسف كل المتغيّرات الميدانية.


ويشير إلى أنّ أبرز تجلّيات تلك المتغيّرات المنتظرة، هي في الدفعة الثانية من العقوبات بحقّ إيران والتي ستدخل حيّزَ التنفيذ في الرابع من تشرين الثاني المقبل، والتي قد تدفع وفق المراهنين عليها، قوى الثامن من آذار إلى تقديم تنازلات على الطاولة الحكومية.


ولهذا صار من الضروري رفع مستوى الضغط السياسي من باب تصويب مشاورات التأليف وإعادة القوى السياسية إلى تواضعها، كما يؤكد النائب ذاته، لتسهيل ولادة الحكومة.


ويقول إنّ ما نشهده راهناً من تجاذبات ليست مفاجئة كونها نتيجة حتمية لتكليفٍ تمّ من دون تفاهم مسبق. إذ إنّ «حزب الله» أمّن الغطاءَ لتسمية سعد الحريري رئيساً للحكومة انطلاقاً من حرصه على الاستقرار الداخلي، ولكنّ الفوضى الحاصلة غير مستغربة طالما أنّها لم تحصَّن باتفاق سياسي يؤطّر التأليف.


بهذا المعنى يطرح الحريري تشكيل حكومة تكون نسخة طبق الأصل COPY PAST عن حكومته الأولى في عهد الرئيس ميشال عون متناسياً نتائج الانتخابات النيابية التي شكّلت انقلاباً سياسياً بحدّ ذاته، وإلّا كيف يُفسّر انتخاب ايلي الفرزلي نائباً لرئيس مجلس النواب؟