لم يسبق للبنان أن شهد صخباً ونقاشاً حول نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية كما شهد في السنوات الاخيرة، منذ أن انتخب أول رئيس للجمهورية في العام 1926، فمسألة الثلثين والثلث، لم تأت من العدم، بل لها أسبابها وجذورها التاريخية والسياسية، لا يمكن إلغاؤها بشطحة سياسية ما أو حتى مجموعة سياسيين لبنانيين.


وحينما أقر الدستور اللبناني في شهر أيار 1926، حددت المادة 49 – دستور النصاب الدستوري بأكثرية الثلثين، وترجم ذلك عملياً في طريقة انتخاب وتكوين المجلس النيابي، الذي كانت طريقة انتخاب ثلثي أعضاء المجلس النيابي، وتعيين الثلث الأخير بواسطة الحكومة التي كان تشكيلها أولاً وأخيراً يخضع لموافقة ومشيئة سلطات الانتداب الفرنسي، وذلك بهدف الإطباق على الحياة السياسية، ومنعها في لحظة ما من الإفلات من يد الانتداب، وعلى هذا النحو نجد أن عدد أعضاء النواب في العام 1927 كان 46 نائباً يقوم على أساس انتخاب 30 وتعيين 16 نائباً.


في العام 1929 كان عدد أعضاء المجلس 45 على أساس انتخاب 30 وتعيين 15.


1934: كان عدد أعضاء المجلس 25 نائباً على أساس انتخاب 17 وتعيين 8 نواب.


1937: أصبح عدد أعضاء المجلس 62 نائباً على أساس انتخاب 41 وتعيين 21 نائباً.


وفي الانتخابات النيابية في العام 1943 تم إلغاء مبدأ التعيين وتقرر أن يكون عدد أعضاء المجلس النيابي 55 نائباً على أساس المحافظات الخمس منتخبين بالكامل، وفق الدستور الذي أقر في العام 1926.


وهذا المجلس تم في عهده انتزاع استقلال وإلغاء المواد الانتدابية من الدستور من دون أن يمس المواد السيادية بما فيها المادة 49 التي نصت على انتخاب رئيس الجمهورية، واشترطت أكثرية الثلثين لنصاب الجلسة وانتخاب الرئيس بأغلبية الثلثين في دورة الاقتراع الأولى، وبالأغلبية في دورات الاقتراع التي تلي، أي أن نصاب الجلسة في كل دورات الاقتراع هو الثلثان، وترجم ذلك عملياً في كل جلسات الانتخابات الرئاسية منذ العام 1943 حتى العام 2016 وفق هذا المبدأ على النحو الآتي:


1943: كان عدد أعضاء المجلس النيابي 55 نائباً حضر إلى جلسة انتخاب الرئيس بشارة الخوري 47 نائباً أيده منهم 44 نائباً ووجدت 3 أوراق بيضاء.


1952: كان عدد أعضاء المجلس النيابي 77 نائباً غاب منهم نائب واحد وأيد الرئيس كميل شمعون 37 نائباً ووجدت ورقة باسم حميد فرنجية وورقتان بيضاوان.


1958: كان عدد أعضاء المجلس النيابي 66 نائباً حضر منهم 56 نائباً، فانتخب الرئيس فؤاد شهاب في الدورة الثانية بأكثرية 48 نائباً ووجدت 7 أوراق باسم ريمون اده وورقة بيضاء، بعد أن نال الرئيس شهاب في الدورة الأولى أصوات 43 نائباً وإده 10 أصوات ووجدت 3 أوراق بيضاء.


1964: حضر جلسة الانتخاب كامل عدد أعضاء مجلس النواب الـ99، فانتخب الرئيس شارل حلو في الدورة الأولى بأكثرية 95 نائباً ونال بيار الجميل 4 أصوات.


1970: حضر 99 نائباً وفاز الرئيس سليمان فرنجية في الدورة الثانية بأكثرية 50 نائباً ونال الياس سركيس 49 نائباً.


1976: كان عدد أعضاء مجلس النواب قد أصبح 98 نائباً بوفاة الرئيس صبري حمادة فانتخب الرئيس الياس سركيس في دورة الاقتراع الثانية بأكثرية 66 صوتاً ووجدت 3 أوراق بيضاء، بعد أن نال في الدورة الأولى 63 صوتاً ووجدت 5 أوراق بيضاء، علماً أن 69 نائباً كانوا قد حضروا الجلسة وتغيب 29 نائباً.


1982: كان عدد أعضاء مجلس النواب قد أصبح 92 نائباً بعد وفاة سبعة منهم، فنال بشير الجميل في الدورة الأولى 58 صوتاً ووجدت ورقة باسم النائب ريمون اده و3 أوراق بيضاء، وفاز الجميل في الدورة الثانية بأكثرية 57 صوتاً ووجدت 5 أوراق بيضاء.


وبعد اغتيال بشير الجميل عقدت جلسة لانتخاب الرئيس البديل فحضرها 80 نائباً وغاب عنها 12، وانتخب النائب أمين الجميل رئيساً للجمهورية بأغلبية 77 صوتاً ووجدت 3 أوراق بيضاء.


وفي انتخابات الرئاسة في العام 1989 كان عدد أعضاء المجلس النيابي قد أصبح 72 نائباً فحضر الجلسة 58 نائباً، وانتخب النائب رينيه معوض في الدورة الثانية بأكثرية 52 نائباً ووجدت 6 أوراق بيضاء بعد أن نال في الدورة الأولى 35 صوتاً وجورج سعادة 16 صوتاً والياس الهراوي 5 أصوات ووجدت ورقتان بيضاوان.


وبعد اغتيال الرئيس معوض حضر جلسة انتخاب إلياس الهراوي 52 نائباً من أصل الـ72 نائباً، وفاز الرئيس الهراوي في الدورة الثانية بأغلبية 47 نائباً ووجدت 5 أوراق بيضاء، بعد أن نال في الدورة الأولى 46 نائباً ووجدت ورقة باسم النائب ادمون رزق و4 أوراق بيضاء.


وفي هذا الصدد، يذكر أنه جرت محاولة لتعطيل نصاب جلسة انتخاب الرئيس الياس سركيس في العام 1976، من قبل النائب كمال جنبلاط والحركة الوطنية، والرئيس صائب سلام والعميد ريمون اده وغيرهم، وكانت الخطة تقضي بغياب أكثر من ثلث النواب عن الجلسة أي 34 نائباً لكن لم يتغيب عن تلك الجلسة سوى 29 نائباً.


وفي جلسة انتخاب بشير الجميل التي جرت إبان الاجتياح «الإسرائيلي» عام 1982، لم تستطع المعارضة تأمين غياب أكثر من ثلث أعضاء المجلس النيابي أي 31 نائباً، فغاب 30 نائباً فقط، وعقدت الجلسة بعد أن انتظر الرئيس كامل الأسعد أكثر من خمس ساعات لتأمين نصاب الثلثين وهو 62 نائباً.


وفي الموعد الدستوري المحدد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية عام 1988، لم يحضر جلسة الانتخاب في قصر منصور أكثر من 39 نائباً، ومع أن هذا الرقم كان يفوق أكثرية النصف زائداً واحداً، إلا أن رئيس المجلس النيابي حسين الحسيني اعتبر نصاب الجلسة غير مكتمل، مع العلم أن بعض النواب لم يحضر هذه الجلسة لأسباب قاهرة، حيث مورس بحقهم التهديد والاعتقال والمنع بالقوة.. 


7 سوابق رئاسية


ما يدعو إلى الاستغراب هو الحماسة التي ابداها بعض السياسيين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية على قاعدة مخالفة للدستور اللبناني وفق نصاب «نصف زائداً واحداً» فيما يرفضون قاعدة دستورية بتعديل نص دستوري لمرة واحدة من أجل «شخص» أو من أجل انتخاب «موظف»، لكن وقائع انتخابات رؤساء الجمهورية تشير إلى سبع سوابق تم فيها انتخاب أو تعيين موظفين رؤساء للجمهورية او للحكومات او حتى وزراء دون أن يتم تعديل الدستور.


السابقة الأولى: حين تم عام 1926 انتخاب ناظر العدلية العام شارل دباس رئيساً للجمهورية، دون أن يستقيل من عمله القضاء في القضاء.


السابقة الثانية: حينما عين الرئيس الاستقلالي الأول بشارة الخوري قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً للحكومة عام 1952، فتم انتخاب النائب كميل شمعون رئيساً للجمهورية وبالطبع دون أن يستقيل أو يتخلى شهاب عن قيادة الجيش.


السابقة الثالثة: تمثلت بانتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية عام 1958 دون أن يتم أي تعديل دستوري.


السابقة الرابعة: تمثلت بترشح حاكم مصرف لبنان الياس سركيس عام 1970 إلى رئاسة الجمهورية دون أي تعديل دستوري، وفاز آنئذ النائب سليمان فرنجية في دورة الاقتراع الثانية بأكثرية 50 صوتاً في مقابل 49 لسركيس.


السابقة الخامسة: تمثلت أيضاً عام 1976 بالرئيس الياس سركيس الذي انتخب رئيساً للجمهورية دون أن يستقيل من حاكمية مصرف لبنان، ودون أن يتم تعديل الدستور.


السابقة السادسة، تعيين الرئيس أمين الجميل عند اللحظة الأخيرة من نهاية ولايته في العام 1988، قائد الجيش العماد ميشال عون رئيساً للحكومة دون أن يتخلى العماد عون عن قيادة الجيش ودون إجراء أي تعديل دستوري.


السابقة السابعة: انتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان دون أي تعديل دستوري، علما ان بعض علماء الفقه الدستوري رأوا أن انتخابه كان يفترض تعديلاً دستورياً، تبعاً لتعديلات الطائف.


والجدير بالذكر، انه كان قد انتخب في العام   1998 قائد الجيش العماد إميل لحود رئيسا للجمهورية    بعد تعديل دستوري للمادة 49 لمرة واحدة تتيح له الترشيح.