يدخل التأليف خلال أيام قليلة مدارَ الشهر الرابع، وسط انعدام المؤشرات الجدّية التي تشي بإمكانية خروج الضوء قريباً من نفق المشاورات؛ الصورة سوداوية، لا تكفي تدخّلاتُ حسن النية لكي تزيل بقع المزايدات.
 

المواقف لا تزال على حالها، وسرعان ما تتحول الخطوات الانفتاحية التي يقوم بها بعض القوى لكسر جدار الخلافات الصلب، مناورات مفضوحة يعود عنها أصحابها فور انكاشفها.


سقوف المطالب لا تزال مرتفعة، وما التنازلات التي قُدمت خلال الأيام الأخيرة على موائد طهاة الحكومة، إلّا هروب إلى الأمام، يعي الجميع أنه لن يؤدّي إلى أيِّ مكان طالما أنّ ساعة الحقيقة لم تحن بعد.


اللافت أنّ الرئيس المكلّف سعد الحريري يزداد مع الوقت تصلّباً، سواءٌ في حرصه على التمسّك بمطالب حليفيه القديمين المستجدَّين، رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس «حزب القوات» سمير جعجع، وسواءٌ في موقفه من تطبيع العلاقات بين لبنان وسوريا.


وفي منطق «التقريش الحكومي»، فإنّ احتمالات التفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل، لا تزال شبه معدومة، أو أقله صعبة للغاية. أكثر من ذلك، تتّجه إلى مزيد من التصعيد.


يقول بعض المطلعين على موقف رئيس الحكومة المكلف، إنّ سعد الحريري الثاني، ربطاً بحكومة العهد الثانية، هو غير سعد الحريري الأول. ظروف الرجل الذاتية اختلفت وحسابات بيته الداخلي تبدّلت، وهي التي تُملي عليه أداءه الجديد. قاد مراجعة نقدية شاملة، نقلته من ضفة إلى أخرى.


وفق هؤلاء، لا يتصرّف الرجل بناءً على ردة فعل، أو بناءً على إملاءات خارجية، لا بل يقيسها في ميزان مصلحته المباشرة. ولكنه محصّن بدعم دولي يدفع به إلى عدم تقديم تنازلات على مائدة المشاورات الحكومية.


يؤكد هؤلاء أنّ الحريري سمع كلاماً واضحاً من المسؤولين الروس يسانده في مطالبته بحكومة متوازنة لا تستثني أحداً، وتراعي طبعاً نتائج الانتخابات النيابية. الموقف عينه سمعه أيضاً من الأميركيين والأوروبيين. الأمر الذي يزيد من قناعته في عدم تقديم خطوات مجانية، كما يعتقد هؤلاء، خصوصاً وأنّ أكثر من دولة صديقة عبّرت عن دعمها له ورفضها اعتذارَه عن التأليف. ولذلك تراه يسير في خطّ مستقيم.


بدأت المراجعة قبيل الانتخابات النيابية، حين قرّر حجبَ التحالف مع «التيار الوطني الحر» لمصلحة التفاهم مع «القوات». يومها كانت الماكينات الانتخابية لكل من «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» لا تعطي «القوات» أكثر من خمسة نواب، كون «تحالف البرتقالي- الأزرق» سيقطع عليها الطريق في الكورة، بيروت، وفي زحلة.


وإذ بعودة المياه إلى مجاري العلاقة بين «بيت الوسط» ومعراب تغيّر كل المشهد، وتخرج «القوات» منتصرةً في عهد ميشال عون، بكتلة من 15 نائباً. لا حاجة للتذكير بالأسباب الموضعية والخارجية التي ساهمت في تكبير حجر الكتلة القواتية، ومنها مثلاً تمسّكها بالمصالحة المسيحية التي أعطت جعجع استراتيجياً أكثرَ ممّا أعطت عون.


الأكيد، وفق مطلعين على موقف الحريري أنّ خروج نادر الحريري من دائرة قرار الرئيس المكلف، هو العامل الأساس في فضّ التفاهم مع العونيين لمصلحة الحلفاء القدامى. يشير هؤلاء إلى أنّ تفاهم التيارالعوني- «المستقبل» كان يخطّط للخروج من معمودية الانتخابات بكتلة وازنة من شأنها أن تفرض باسيل مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية. أما اليوم، فيحاول رئيس «التيار الوطني الحر» تعويض خسارته لهذا التحالف من خلال رفع سقف شروطه الوزارية لكي يبلغ البوابة الرئاسية واثق الخطوات.


ولهذا يؤكد هؤلاء أنّ وزير الخارجية تجنّب حسمَ تراجعه عن مطلب الثلث المعطل بعد دمج كتلتَي «لبنان القوي» ورئيس الجمهورية، كما يرفض التخلّي عن واحدة من الحقيبتين السياديّتين ونيابة رئاسة الحكومة.