خسارة الحريري وجنبلاط لسند بري، يجعل الكفّة تميل كليا لغير صالحهما
 

 

 

شهدت  الساحة السياسية الداخلية منذ أيام ما يوحي بقرب تشكيل الحكومة، بعدما تدخّل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأبدى كل من التيار "الوطني الحر" و"القوات" حُسن النوايا لتذليل العقبات التي تحول دون الافراج عن التشكيلة الحكومية. لكن، الموقف الذي أطلقه الرئيس سعد الحريري ، الذي صوّب فيه على دمشق، وربط الولادة الحكومية بعدم التطبيع معها. بعدها انهالت الأسئلة عن أسباب إقدام الحريري على التعبير عن الربط: لماذا اختار الاعلان عن الموقف في الوقت الذي كانت فيه العقد الحكومية تُحل تدريجياً؟ هل قصد الحريري محاكاة السعودية التي تغضّ الطرف عن كل تصرفاته ؟ أم أراد رفع السقف السياسي خلال التفاوض الجاري للحصول على مكاسب في الحقائب؟

 

كلها سيناريوهات واردة، لكن "الشيخ سعد" كان يدرك ان موقفه هذا لا بد منه، وانه سيقود البلد من نقاش حول الحصص الى نقاش ، حول السياسات الحكومية والبيان الوزاري.

 

يدرك الحريري أيضا، أن كل المستجدات في سوريا ليست ثابتة ، على الرغم من تعزيز وضع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي بات موقعه أفضل مما كان عليه في السابق،كما يدرك رئيس الحكومة المكلف ايضا ان الساعة لا تعود الى الوراء، وان الاغلبية في المجلس النيابي اللبناني "حزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر والمردة والديمقراطي اللبناني والاحزاب التي تدور في فلك قوى ٨ آذار" تؤيد تفعيل العلاقات مع سوريا، لأسباب سياسية واقتصادية  بحجة ان لبنان يستفيد منها ،كما يعرف أن "القوات والمستقبل والاشتراكي" يعارضان إعادة تلك العلاقات مع النظام السوري.

 

إقرأ أيضا : موسى الصدر والحركة المحرومة !

 

 

استبق الحريري ولادة الحكومة، ورفع شعاره عنوانا لتأليف، حكومته العتيدة، الى درجة ان هناك من بات يسوّق ان لا قدرة للحريري على ترؤس حكومة من دون اخذ التطورات السوريّة بعين الاعتبار، لأن شرط التنسيق مع سوريا هو أولوية ومصلحة لبنانية حسب زعمهم.

 

ولذلك، جاء رد بري أولا على الحريري، الذي دافع عن اعادة العلاقات مع سوريا الى طبيعتها. هنا بدا بري متمسكاً بتلك العلاقات اكثر من غيره، رغم أن رئيس المجلس دأب في المرحلة الماضية على امساك العصا الداخلية من وسطها، وعدم كسر فريق على حساب آخر، ومراعاة الحريري تحديدا.

 

لكن فيما خصّ سوريا، أعلن بري انحيازه لعلاقات طبيعية مع دمشق، فوضع نفسه في مواجهة الحريري ورئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، اللذين يعتبران بري سندا لهما. تعمد رئيس المجلس عدم السكوت عن التوصيف، وأوحى عملياً انه مستعد لمواجهة صديقيه، لأن الأولوية لمصلحة لبنانية تنطلق من اعادة تحسين العلاقات مع سوريا.

 

خسارة الحريري وجنبلاط لسند بري، يجعل الكفّة تميل كليا لغير صالحهما، ما يعني أن أزمة التأليف تعمّقت، وتحتاج الى مقاربة جديدة، لا تقتصر على الأحجام والأعداد والتوزيع الحقائبي.

 

لا قدرة لبنانية على بتّ الاختلاف بشأن سوريا، بل ان المواجهة حول العلاقة مع دمشق، تفرض تدخل عواصم دولية، لتنظيم أمر الخلاف الداخلي اللبناني.