مَن سيتحمّل ضربَ الاستقرار وسياسة النأي بالنفس وأخذ لبنان إلى مواجهات سياسية؟
 

كأنّ كلمة سرٍّ سورية خرقت الأجواءَ من دمشق الى بيروت؛ حلفاءُ «النظام» يريدون إعادة تطبيع العلاقات بين البلدَين والحكومتين، بذريعة «الضرورات المُلِحّة، أكان بالنسبة إلى عودة النازحين، أو بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي وإنعاشه».
التطبيع مع سوريا، من أكثر المسائل خِلافية بين الأطراف اللبنانية، تمّ طرحُه في لحظة سياسية ملتبسة. وإذا كان مؤيّدو التطبيع يعتبرونه فرصةً انفراجية للبنان سياسياً واقتصادياً، إلّا أنّ معارضيه يرون في هذا الطرح رسالةً بالغة السلبية تستهدف الرئيس المكلف سعد الحريري.

تلك الرسالة توقف عندها تيار «المستقبل» الذي أكّدت مصادره لـ»الجمهورية» أنّ «الحريري سيستمرّ في عملية تأليف حكومة لا تُطبِّع مع نظام بشار الأسد ولا ترضخ لإيران وبالتالي لا تُعرِّض لبنان إلى عقوبات وضغوطات خارجية، لأنه يعلم أنّ الاستسلام في هذه اللحظة سيؤدّي إلى كارثة كبيرة تطال جميع اللبنانيين بانتماءاتهم المتنوِّعة».

الضغط نحو التنسيق فالتطبيع مع النظام السوري، انطلق بحَسم السفير السوري علي عبد الكريم علي بأن «لا عودة للنازحين من دون المرور عبرنا»، وبتشديده على ضرورة التواصل بين الدولتين اللبنانية والسورية من أجل تحقيق مصالح لبنانية، وهو ما أكّد عليه نواب ووزراء لبنانيون، وسبقهما في ذلك كلّ من رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اللافت، في ظلّ تعذُّر تأليف الحكومة، أنّ ثمّة مَن قرأ في طرح موضوع التطبيع في هذا الوقت، ضغطاً فائقَ القوة، يستبطن رغبةً في«استبدال» الحريري، و«بما أنّ الدستور لا يسمح بذلك، توضَع أمام الرئيس المُكلف عراقيل يصعب عليه تخطّيها، علّه يرتطم بها فيستسلم ويعتذر».

مؤيّدو التطبيع، يجمِّلونه كعنوان لتسريع عودة اللاجئين وبتسهيل التبادل التجاري بين البلدين ومرور البضائع إلى سوريا وعبرها، إضافةً إلى استجرار الكهرباء وغيرها من الملفات. إلّا أنّ «جزرة النازحين» والحلحلة الاقتصادية تعني وفق مصادر «المستقبل» أن «يخضع اللبنانيون دائماً للوعيد والتهديد والترهيب».

في رأي المصادر أن لا مصلحة للبنان بالتنسيق كما يُسوَّق، فـ»عودة النازحين بعيدة المنال، والأسد لن يعالج هذا الملف، وقد لجأ إلى الروس في هذه المسألة، الذين لجأوا بدورهم إلى الأميركيين. وحتى هذا الحلّ ما زال نظرياً لأنه يستند إلى تعاون دولي يعتمد على المشاركة الأميركية المبنيّة على منطق الحلّ السياسي في سوريا، غير الوارد حالياً».

أما بالنسبة إلى فتح الحدود أمام الصادرات اللبنانية، فتسأل المصادر»هل الحدود مضمونة أمنياً راهناً، وهل إنّ النظام السوري مُسيطرٌ حقيقةً على هذه الحدود»؟ غامزةً من قناة الروس وحديثهم عن أهمية التعاون للسيطرة على الحدود.

كذلك، تلفت المصادر الانتباه الى أنّ الإشكالَ السياسي الكبير في سوريا لم يُحلّ بعد، وتسأل: «ما مصلحتنا بالهرولة إلى التنسيق مع هذا النظام من دون معطيات جدّية حول مصيره؟».

وعن تذكير مؤيّدي التنسيق، الحريري بتسويةِ الـ»سين سين» عام 2009 واتّهامهم معارضي التنسيق بالرضوخ لرغبة السعودية وتحقيق أهدافها لا مصلحة لبنان، توضح مصادر «المستقبل» أنّ «الحريري ذهب إلى سوريا عام 2009 وفق موضوعاتٍ محدّدة واتّفاقية برعاية إقليمية - دولية، مفادها تأمين الاستقرار في لبنان وتغيُّر أسلوب النظام السوري وإخراج القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية من الابتزاز الدائم. إلّا أنّ هذا النظام لم يلتزم بهذه الاتّفاقية، وحين شعر في 2011 أنّ بإمكانه الانقلاب على التسوية، وعلى الحريري من خلال حلفائه، فعل ذلك».

هذه التجربة، تجعل الحريري غيرَ مُستعدّ للذهاب إلى سوريا مع كل التهويل والضغط، حسب ما تؤكّد مصادر «المستقبل». وإن حاولوا الدفع نحو التنسيق بعد التأليف، فجواب الحريري سيكون: «أنا أستقيل فابحثوا عن غيري».

فالحريري متمسِّك بموقفه، لأنه يعتبر أنّ «العلاقة مع أيّ نظام في سوريا يجب أن تستند إلى وقائع أساسية، وهي القرارات الدولية والأمن وعدم تسريب السلاح بشكل غير شرعي إلى لبنان، إضافةً إلى عدم المشاركة بمؤامرات ضده. كذلك، إنّ نظام بشار الأسد يخضع راهناً للرعاية الروسية، ومصيره غير محسوم أو غير واضح بعد».

وعلى خطّ الرفض، يتماهى موقفُ حزب «القوات اللبنانية» مع موقف الحريري برفض التنسيق. وتؤكّد مصادر «القوات» لـ»الجمهورية» أنّ «رفض التطبيع مع النظام السوري ليس تحقيقاً لأهداف أيِّ دولة خارجية، بل ينطلق من أولويّة ومصلحة لبنانيّتين، فالنظام السوري كان محتلّاً للبنان وداعماً لفئات لبنانية على حساب فئات أخرى وشكّل ممرّاً للسلاح ضد الدولة».

وتسأل «لمَ الاستعجال بفتح علاقات مع نظام لم يستعِد شرعيّته لا الداخلية ولا الخارجية، كما أنّ الحرب ما زالت قائمة ومستعرة في سوريا ولم يُصرْ إلى اتّفاقٍ سياسي؟». فبالنسبة لـ»القوات»، إنّ «كل الأعذار التي تُساق - الاقتصادية أو ملف النازحين - هي أعذار واهية وساقطة ولا علاقة لها بالحقيقة، لأنّ مَن يُهجِّر الشعبَ السوري لا يهتمّ بعودته، التي تؤدّي إلى ضرب كلّ مشروعه القائم على تغيير الديموغرافيا السورية، وهو يريد تثبيتَ الوقائع التي كرّستها الحرب ولا يريد لا مصلحة السوريين ولا مصلحة لبنان، بل يريد استمرارَه».

التعارض بالمواقف حول التنسيق، ليس بجديد، إلّا أنه استجدّ بتكثيف أخيراً، ويُفسِّر متابعون الضغط لإعادة العلاقات مع النظام السوري قبل تأليف الحكومة بأنّ هناك مراجعة في اختيار الحريري، ودفعه إلى التخلّي عن رئاسة الحكومة.

وفق هذه المعطيات، لا تتوقّف أبعاد الضغط على الصعيد الداخلي عند إحراج الحريري، بل تصل إلى التسوية الرئاسية التي تمّت على قاعدة استبعاد الملفات الخلافية، التي أعادت الاستقرارَ السياسي والانتظام المؤسساتي. ويرى البعض أنّ عودة طرح هذه الملفات سيؤدّي إلى إعادة إحياء الانقسامات.

ويسأل: مَن سيتحمّل ضربَ الاستقرار وسياسة النأي بالنفس وأخذ لبنان إلى مواجهات سياسية؟