تتأثّر تربية الطفل بمركزه في عائلته. فلا يمكن أن ننكر أنّ الطفل الأوّل في العائلة يحصل على ميزاتٍ لا يحصل عليها الطفل «الوسط» عادةً. ولكن يمكن لهذه الميزات أن تصبح نقاط ضعف عندما «يتّكل» الأهل على طفلهم الأول في مساعدتهم في الأمور الحياتية واليومية وصولاً إلى تربية إخوته وأخواته. لذا يؤثّر «مركز الطفل» في أسرته على المعطيات العلائقية مع أهله وكيف ينظر الوالدان إلى الطفل الأوّل أو حتى الطفل البكر. تحدّثنا الأسبوع الفائت عن الطفل الأول «المنتظَر» الذي يحصل على ميزات كثيرة، كما تحدّثنا عن الطفل البكر الذي يكون عادةً «حقل تجربة» للأهل ويهتم به الجميع في العائلة من «كبيرهم لصغيرهم». أمّا هذا الأسبوع فسنتكلّم عن الطفل «الوسط» وهل هو حقاً «كبش المحرقة»؟ وماذا عن «صغير العائلة» و»الطفل الوحيد»؟
يقول أحد الأمثال «يلي بربّي ولد، بربّي عشرة»، ربما هذه المقولة صحيحة، لأنّ «قواعد التربية» يمكن أن تطبَّق على جميع الأطفال مهما كان عددهم! ولكن هل سيكون زخَمُ الأهل واهتمامُهم هو نفسه عندما يربّون طفلاً أو اثنين أو حتى عشرة؟ هل سيهتمّون بهم بالتساوي مهما كان عددهم؟ أو سيهتمّ الأهل بطفل «على حساب» طفل آخر؟ لذا درس علماء نفس الأسرة التغييرات السلوكية التي تلحق بالأطفال في نفس العائلة رغم أنّهم تلقّوا التربية نفسها. تبيّن أنّ «مركز» الطفل في أسرته له الكلمة الفصل.

مركز الطفل الأوسط

الطفل الأوسط هو الطفل الأكثر «تجنّباً للأخطاء» في عائلته والسبب هو أنّه يشاهد ما ارتكبه أخاه أو أخته الأكبر سناً من أخطاء ويتجنّب بالتالي الوقوع فيها. لذا يتميّز الطفل الأوسط بكونه منطقيّاً وصارماً وجدّياً في اتّخاذ قراراته لا سيّما عندما يصبح شخصاً راشداً.


كما يتعلّم الطّفل الأوسط كيفية الإصغاء لمطالب أخيه أو أخته الأكبر منه سنّاً اللذين يلعبان دور الأهل أو حتّى سماع مطالب أخيه أو أخته الأصغر منه سنّاً ومعالجة المشكلات التي يمكن أن تتفاقم ما بين الأخ / الأخت البكر والأخ / الأخت الأصغر.


وبما أنّ الطّفل الأوسط هو مستمعٌ ممتاز، فهو أيضاً مفاوِض بامتياز مع الأهل. يجيد إقناع أهله في تلبية مطالبه، لا سيّما عندما يلاحظ أنّ إخوته أو أخواته الأكبر أو الأصغر سنّاً تُلبّى مطالبهم بسهولة ومن دون أيّ معاناة.


ويتعلّم الطفل الأوسط الاستقلالية بشكل سريع من خلال تقليد أخيه أو أخته الأكبر منه سنّاً. كما يتعلّم منذ صغره مبادئ لا يمكن لطفل من عمره أن يفهمها مثل الوحدة والكبرياء والعزلة والغرور... فيكون الطفل الأوسط عادةً طفلاً منعزلاً أكثر من باقي الأطفال وليس لديه تضخّم في الـ»أنا» أبداً.

طفل «آخر العنقود»

يتميّز الطفل الأصغر في العائلة بنقاط إيجابية ونقاط سلبية وهي:

النقاط الإيجابية:

• عادةً، بفضل مركز «الأصغر» في البيت، يسيطر الطفل ويتسلّط على والديه وإخوته وأخواته الأكبر سنّاً.

• الطفل «الأصغر» في العائلة يبقى «صغيرَ» العائلة، أي أنّ الجميع يهتمّون به ويحقّقون كلّ مطالبه.

• تربية الطفل «الأصغر» هي الأكثر اتّزاناً لا سيّما بعد الخبرة التي حصل عليها الأهل من خلال تربية أطفالهم الآخرين.

أمّا النقاط السلبية فهي:

• يبقى في نظر أهله وإخوته وأخواته الأكبر منه سنّاً «الأضعف» وهو بحاجة دائماً للاهتمام والتشجيع. لذا نراه بعكس الطفل الوحيد والطفل الأوسط، يعاني من «عدم النضج» العاطفي والسلوكي.

• في أكثر الأحيان، الطفل الأصغر في العائلة، لا تؤخذ في الاعتبار آراؤه.

• يشعر دائماً طفل «آخر العنقود» بالنقص لا سيّما حين يقارن نفسه بإخوته الآخرين.

• يجب على الأهل أن ينتبهوا للتسميات التي يطلقونها على طفلهم. ففي بعض الأحيان يسمّونه «ولد الغلطة» حيث لم يرغب الأهل زيادة عدد أطفالهم ولكن أتى «طفل آخر العنقود» رغم إرادتهم. سيشعر هذا الأخير أنّ وجوده «غلطة» وأنّ أهله يفضّلون عدم حضوره ضمن العائلة وأنّه عبء عليها. وهذه تسميّات «بغير محلها» تؤثّر تأثيراً مباشراً على حياته النفسية.

• تظهر عند الطفل الأصغر في عائلته علامات الخجل والانطواء والخوف، لا سيّما خلال سنواته العشر الأولى.


ولكن بالطبع، لا يمكن أن نعمّم كل تلك النقاط السلبية، فإنّ بعض «صغار» العائلة ناضجون كثيراً ويمكن الاتّكال عليهم.

الطفل الوحيد

هو مركز اهتمام كل العائلة حيث ينال رعاية من جميع أعضاء الأسرة. وتنحصر فيه آمال وتوقّعات ضخمة يمكن أن لا يحقّقها أبداً. ومن أهم النقاط الإيجابية عند الطفل الوحيد، هي تقدمّه على أقرانه في المضمار اللغوي. فيتكوّن عنده منذ صغره، قائمة كبيرة من الكلمات التي لا نجدها عند أطفال آخرين. ويعود السّبب إلى الاهتمام الزائد والمحصور فيه من جميع أفراد عائلته. فالجميع يحادثه ويتكلّم معه، فتصبح لغته غنيّة بطريقة مباشرة من خلال المحادثة.


أمّا على الصعيد الإجتماعي، يتمتّع الطفل الوحيد بمهارات إجتماعية متقدّمة، حيث يستطيع التّفاعل بطريقة سهلة مع الرّاشدين بفضل علاقاته المتكرّرة مع أفراد عائلته. كما أنّنا لا نجد عند الطفل الوحيد مشكلات مثل الغيرة والمشاكسات مع إخوته وأخواته. وبسبب كونه طفلاً «وحيداً» تدلّله العائلة كثيراً، يتحوّل هذا الأخير إلى طفل غير مستقل عن أهله بل يعتمد عليهم بكل شيء، ما يشكّل خطراً كبيراً على مستقبله وطريقة اعتنائه بنفسه وطريقة النظر إلى المشكلات التي تعترضه يوميّاً وحلّها.


كما أنّ الطفل الوحيد لا يمكنه أن يتعامل بطريقة سوية مع أطفال من عمره ولا يستطيع التفاعل معهم لأنّه، وبكل بساطة، لم يعتد على هذا النوع من العلاقات بل اعتاد فقط على علاقات مع أشخاص راشدين.


لذا، يجب على الأهل تعويض هذا النقص العاطفي من خلال تعريفه على أطفال العائلة الكبيرة (أطفال أولاد الإخوة والأخوات أو أطفال أولاد العمّ وأولاد العمّة...) أو أطفال الأصحاب. كما يمكن للأهل توجيه الطّفل نحو نشاطات جماعية (ككرة السلة أو كرة القدم) وليس النشاطات الفردية (كالسّباحة).