هذا الواقع المرير وأمام التدخل من كل حدب وصوب الذي نراه لا يدعو إلى الإرتياح بل إلى مزيد من التأزم والشرذمة وعدم الثقة
 

بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري، قامة لبنانية وطنية ورجل دولة بنى جيل تعليمي يهدف إلى حياة جديدة من أجل مستقبلٍ أفضل لما عاناه اللبنانيون من حرب ودمار وفقر،وكنا نرى كما أغلبية الشعب اللبناني بكافة أطيافه وطوائفه بأن الشهيد رفيق الحريري يريد بناء دولة وقانون كما نادى من قبله الإمام موسى الصدر وحامل أمانته دولة الرئيس نبيه بري، إلاَّ أنَّ السياسات الإقليمية حالت دون ذلك،وكأن من يريد بناء دولة ذات سيادة مستقلة قرارها من عندياتها ومن شعبها فلا يسمح له بذلك ومصيره الشهادة والإغتيال.

فبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي هزَّ كيان كل اللبنانيين لأنه رجل لكل لبنان ولا يُحتكر لفريقٍ دون آخر، إلا أنَّ الواقع المر الذي انعكس على الشعب اللبناني جعلهم فريقين ما بين 8 و14 آذار، وما زال الوضع يزداد مرارة وسوءاً حتى وصل الأمر إلى أعلى نسبة فساد وهدر ومحسوبيات قد لا تراها حتى في بلاد الواق واق، والنتيجة ضاع الشعب وتراجع السياسيون من كلا الفريقين وقادة الرأي في البلاد، الذي وثق بهم الشعب واختارهم ليُعبّروا له عن طموحاته وتطلعاته نحو حياة أفضل ومستقبل عزيز وكريم، والنقطة الأخرى هو ترك هذا البلد لمراجع تتصرف وكأنها غير مسؤولة على طريقة حصر الحق معها وكأنه حقٌ إلهي الذي يذكرنا بملوك وسلاطين وأباطرة أوروبا الذين يملكون البلاد والعباد من دون أي رادعٍ أو محاسبة أو مساءلة حتى انقلب السحر عليهم وعلى مصالحهم مما جعلهم ينكفئون ويتراجعون لصالح حرية الشعوب التي تقرر مصيرها وحياتها، وهذا ما يجري في واقعنا اللبناني الذي لا يختلف عن تلك العقلية التي أكل وشرب عليها الدهر وصارت في مقبرة التاريخ.

هذا الواقع المرير وأمام التدخل من كل حدب وصوب الذي نراه لا يدعو إلى الإرتياح بل إلى مزيد من التأزم والشرذمة وعدم الثقة من كافة الأحزاب والقوى وانتشار مرض الطائفية التي تفتك بنا وبكل لبناني ويزداد يوماً بعد يوم،وربما أكثر تطرفاً وأكثر غلواً وكأنه لا يرف لأحد جفنٍ أمام هذه الكوارث والمعضلات والمقولات الهدامة والتي لا نرى فيها سوى الخراب والجهل والمرض والشقاء والتعب.. 

من يضع حداً لهذه الكوارث الطامات؟ من يضع حداً لهذه المهازل التي تعصف بنا ؟ فمتى نستفيق ويستفيق هذا البلد من كبوته وغفوته؟ من يبعث لنا رقماً آذارياً جديداً؟ 

فليكن 14 آذار رقماً جديداً تهبّ به المشاعر والخطابات الوطنية التي نادى بها رفيق الحريري وغيره من رجالات الدولة لتنادي ولو لمرة واحدة بإعلاء الصوت ، كفانا مهزلة وحرماناً وفقراً ومرضاً وجوعاً حتى لا نبقى مكشوفي الرؤوس ونبقى بلا سقف الذي يحمي الجميع ونصبح عراة بالعراء التاريخي.