ماذا يُريد حزب الله من الحريري بالتحديد ؟
 

تصريح ناري وقوي بمدلولاته السياسية قاله رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري عن عودة العلاقات بين لبنان والنظام السوري .

فالحريري حذّر بلهجة التهديد أنّه في حال الإصرار على تطبيع العلاقات مع النظام السوري فعندها لن تتشكّل الحكومة .

هذا التصريح يُعتبر من أقوى التصريحات التي أدلى بها الحريري في آخر سبع سنوات ، ما جعل السيد حسن نصر الله يردّ عليه من دون أن يُسمّيه ويدعوه إلى عدم التسرّع في إطلاق مواقف قد يتراجع عنها لاحقاً.

وظَنّ كثر أن ردّ نصر الله على الحريري سيكون الوحيد ولن يتطور إلى مواقف تصعيدية أخرى بسبب الحذر الذي يُبديه حزب الله في الداخل اللبناني في هذه الآونة بعد الهجمة الأميركية الشرسة على إيران وحلفائها في المنطقة .

إلاّ أن ما حصل بالأمس كان مغايراً ، حيث نظّم حلفاء النظام السوري في لبنان حملة ردود شرسة على الحريري وصلت حدّ الإهانات الشخصية .

وكان أبرزها ردّ الإعلامي سالم زهران على الحريري حيث قال ببرنامج بموضوعية على ال MTV  "اذا محمد بن سلمان قال لسعد الحريري..انا ذاهب الى سوريا أبغاك تلحقني..بيروح او ما بيروح؟ "بيروح وإجرو فوق رقبتو".

هذا الردّ فجّر السوشيال ميديا بالأمس ، فنظّم ناشطو تيار المستقبل حملة إلكترونية ردّوا فيها على زهران وإنتقدوه على كلامه .

لكن السؤال الأبرز هنا : ماذا يُريد حزب الله من الحريري بالتحديد ؟

من الواضح أن الحزب يُريد الحكومة غداً قبل بعد الغد لإعتبارات إقليمية ومحلية  ، إذ أن من مصلحته تحصين الساحة الداخلية عبر تشكيل حكومة تعكس موازين القوى الجديدة التي أفرزتها الإنتخابات النيابية الأخيرة والتي كانت لصالحه، وهذا يتطلب تواضعاً منه وتنازلات تكلّم عنها نصر الله في خطابه الأخير وأكّد أن الحزب يقوم بها منذ إنتهاء الإنتخابات .

لكن المفاجىء فيما يحصل هو أن العقد التي توضع أمام تشكيل الحكومة تأتي من حليف الحزب الأبرز وهو التيار الوطني الحر، فعقد الحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية بالنهاية متوقف حلّها عند رضوخ التيار لمطالب هاتين الجهتين السياسيتين .

وعند إرتفاع منسوب التفاؤل لتشكيل الحكومة ، نرى أن عقد جديدة تبرز من نفس الجهة السياسية ، سواء المطالبة بالثلث المعطّل أو تطبيع العلاقات مع النظام السوري ، ما يعني تراجعاً عن تأييد الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة بنفس الشروط المسبقة.

 

إقرأ أيضا : تشكيل الحكومة في بيروت وليس في دمشق… زمن الوصاية ولىّ!

 

 

لذلك ، فمن شاهد خطاب السيد نصر الله الأخير يُدرك جيداً أن مرحلة التنازلات الظاهرية قد إنتهت ومرحلة المطالبة بترجمة تغيّر المعادلات الإقليمية بحسب منظور حزب الله قد بدأت .

إذ قال نصر الله بوضوح أنه إذا فكّر أحد في لبنان  من الجهة الأخرى بأن فريقه الإقليمي ( السعودية وأميركا ) ينتصر وَيُرِيد ترجمة ذلك في موضوع تشكيل الحكومة ، فنحن سنتصرف بالمثل .

إلى هنا تبدو الأمور أكثر وضوحاً ، وملف تشكيل الحكومة دخل في مرحلة جديدة ، هي مرحلة ترجمة المعادلات الإقليمية في الداخل اللبناني .

فالحريري لن يقبل بالتطبيع مع النظام السوري ولا يُريد الإستجابة لمطالب حلف ٨ آذار مع التيار الوطني الحر ، فيما حزب الله وحلفائه يريدون العكس .

لكن هذا السجال لو بقي كما هو الآن لا يُوحي بأن الأمور قد تشهد تَغيُّرات دراماتيكية كالإنقلاب على سعد الحريري كما حصل في ٢٠١١، وسيبقى ضمن إطار شدّ الحبال بين الطرفين لتحقيق مكاسب أكثر .

أما في حال إشتدّ هذا السجال وذهب إلى منحى التحدّي على قاعدة " كلمتي بدا تمشي " فمن المتوقع أن ينقلب حزب الله ومعه حلفائه على الحريري ويذهبون إلى خيارات جذرية .

خصوصاً أن معركة إدلب تلوح في الأفق والتي ألمح إليها نصر الله في خطابه الأخير ووعد بأن يتكلم عنها بالتفصيل في خطابه المقبل  ، وفي حال إستطاع الإيرانيون ومعهم حزب الله والنظام السوري وبغطاء روسي من الدخول إلى هذه المحافظة والسيطرة عليها ، فهذا يعني أن حلفاء النظام السوري سيقلبون  الطاولة على رأس الحريري حتماً في حال لم يستجب لمطلب التطبيع .

عندها ربما الحريري يُنفَّذ وعده الذي قاله من أسابيع بأن " يذهبوا ويفتشوا على حدا تاني غيري ليشكّل الحكومة "، وسيذهبون ، لكن هل سيجدون؟