قلب الحريري مع عون أو جعجع؟
 

ما زالت عملية تشكيل الحكومة تراوح. الأجواء الايجابية التي جرى ضخّها، لها هدف واحد هو محاولة تذليل العقبات من طريق رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري للخروج من بعض الأطر التي وضع نفسه فيها. المعادلات لا تقتصر على الحصص والحقائب. هذه كلها تشكّل مداخل لكسر طرف لمصلحة آخر. عملية تشكيل الحكومة بعد هذا القانون الانتخابي وما أنتجه، لها حسابات مختلفة جداً. لا يمكن لأي من القوى الموافقة على اعتماد الآليات السابقة في التشكيل. لا يمكن للقوات أن تنكسر، ولا يمكن لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن يتراجع، لأن المسألة قضية حياة أو موت.

فمثلاً، إذا ما قبل جنبلاط توزير النائب طلال ارسلان، يكون ضمناً قد وافقة على معادلة أنه الرقم واحد درزياً ولكن في المقابل، يعترف بأن هناك وجوداً لحيثية درزية ثانية هي رقم اثنان يجب أن تتمثل. وهذا سيؤثر سلباً في ثلاث نقاط، أولاً يكون جنبلاط قد تجاوز نتائج الانتخابات، وكرّس ارسلان حليفاً لرئيس الجمهورية ميشال عون في حكومة عمرها أربع سنوات. وبذلك يتمتع العهد بغطاء وشرعية درزية، بمعزل عن موقف الاشتراكي. ثانياً، إن وجود درزي له حيثية في الحكومة سيؤثر سلباً على انتقال مقاليد الزعامة إلى تيمور جنبلاط، بحيث سيكون هناك من ينافسه خدماتياً وإنمائياً وحتى سياسياً. وسيؤدي ذلك إلى القبول باستهداف زعامة المختارة، من خلال تدخّل قوى أخرى فيها في مصائر لطالما كانت هي تقررها. وثالثاً، إن الموافقة على توزير ارسلان تعني أن جنبلاط قد رضي بكسر موقفه، وتلقى ضربة قوية من الوزير جبران باسيل. ما سيحرمه على المدى البعيد ورقة الميثاقية داخل مجلس الوزراء. بالتالي، أي استهداف له في ما يعتبره الرجل محاولات حثيثة لتطويقه وعزله، سينجح بوجود ارسلان، لأن سحب وزيرين درزيين وبقاء وزير ثالث داخل الحكومة، يجعل أي موقف اعتراضي لجنبلاط بلا أي مفاعيل.

بالنسبة إلى القوات اللبنانية، المسألة هي حياة أو موت. أصبح ثابتاً أن باسيل فتح معركة رئاسة الجمهورية، وفرضُ شروطه في عملية التشكيل سيعني دخوله بقوة إلى الحكومة، بعد كسر موقف القوات، وفرض شروطه عليها. وهذه تعني أنه دخل بحجم مقرر، وأصبح في حكم كاسح الألغام أمامه إلى المعركة الرئاسية المقبلة. صحيح أن القوات بعد الحراك الأخير قدّمت بعض التسهيلات كقبولها بأربع وزارات، لكنها متمسكة بالحقيبة السيادية. وهذه يرفض باسيل أن يتنازل عنها من حصة تياره أو رئيس الجمهورية. ما يشير إلى أن الأمور لا تزال على حالها. على الرغم من وجد حراك جدّي لاحراز تقدّم ما.

لكن الحراك الأخير، قد رمى الكرة مجدداً في ملعب الرئيس المكلف، وما سيقرره بشأن المسودة التي قد يطرحها في الأيام المقبلة. فإذا ما أرضت القوات والاشتراكي لن يوافق عليها رئيس الجمهورية، وإذا ما جاءت وفق تصوّر الرئيس وباسيل، سيرفضها الاشتراكي. وهنا تبقى الكرة لدى الحريري الذي سيعود إليه خيار السير بها من عدمه. وتشير مصادر متابعة إلى أن الحريري يتعرّض لعملية إغراء وضغط في آن معاً من قبل التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، لاستعادته من حضن رئيس حزب القوات سمير جعجع وجنبلاط والموقف المنسجم مع التطلعات السعودية. وهناك من يتخوف من أن يعود الحريري ويرضخ لاغراءات عون وباسيل وضغوطهما، لا سيما أن التسوية معهما لم تنته.

ويقول بعض المتخوفين إن الحريري يريد تشكيل حكومة وهذا همّه الأساسي. ويعتبرون أن قلبه مع عون وليس مع جعجع، لأن التسوية أفضت إلى تركيب جملة تسويات وتغيرات على الساحة، جعلته عنصراً أساسياً مقرراً برعاية عون ورضى حزب الله. وهذان الطرفان بالنسبة إليه هما من يستطيع الحفاظ عليه رئيساً للحكومة. وما يقرأه الحريري كذلك، يقرأه المتخوفون بصيغة أخرى، بأن هناك قراراً سورياً بإدخاله ضعيفاً، وتكون تركيبة الحكومة راجحة لمصلحة حزب الله ورئيس الجمهورية. ولكن، إذا ما نجحت حملة الضغط والاغراء، سيكون الحريري قد أدار ظهره مجدداً للسعودية بحسب هؤلاء. ما يعني أن الأمر سيذهب في اتجاه تطورات مختلفة، خصوصاً أن الرئيس المكلف لا يزال يخضع للاختبارات، وللتعاطي السعودي معه على القطعة. ويستدل هؤلاء إلى ما جرى من لبس في مسألة تأشيرات الحج، باعتباره إشارة سعودية تحذيرية للحريري.