لم تبلغ التحركات والاتصالات التي جرت حتى الآن لإنجاز الاستحقاق الحكومي خواتيمها المرجوّة، اذ يبدو انّه لا تزال أمام هذا الاستحقاق أشواط طويلة من النقاش داخلياً وخارجياً، عليه أن يجتازها حتى يُكتب له هذا الإنجاز بولادة الحكومة المرجوّة.
 

يعكس المناخ السائد في أوساط العاملين على خط تأليف الحكومة انّ العقد التي تعوقه لم تحل بعد، ولاسيّما منها العقدة المسيحية التي يُشاع أنّها حُلّت، أو أوشكت على الحل، ويرشح مما يهمس به بعض المعنيين أن الحلّ المنشود للأزمة الحكومية لم يتبلور بعد، وانّ «كلمة السر» في «لعبة الكبار» لم تأتِهم بعد، في الوقت الذي بدأ كثيرون من أصحاب الشأن يحزمون حقائبهم للسفر الى الخارج في إجازات طويلة، ما يعني ان لا ولادة حكومية متوقعة خلال ما تبقى من آب الجاري والشهر المقبل.


ومن العوامل المانعة للولادة الحكومية، انّ بعض الأفرقاء المعنيين يربطون جدّياً واستراتيجياً مصير هذا الاستحقاق الدستوري بآخر هو استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية الذي لم يحن أوانه بعد، وهو نهاية تشرين الاول من العام 2022، الأمر الذي دفع بعض القوى السياسية الى رفع الصوت معارضة لهذا الربط غير الواقعي بين هذين الاستحقاقين الدستوريين المتباعدين طويلاً زمنياً. مع العلم انّ البعض بدأ يميل الى تصديق ما راج أخيراً من مقولات وإشاعات تتحدث عن سيناريو يقول بـ»استقالة» رئيس الجمهورية في وقت ليس ببعيد ليتمّ انتخاب خلف له يكون من صفوف «التيار الوطني الحر»؟


على انّ المعنيين بالتأليف بدأوا منذ الأسبوع الماضي التعويل جدّياً على حركة المؤازرة التي بدأها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في اتجاه مواطن التعقيد، لعلّها تفكفك عقد التأليف هنا وهناك، لما له من دالة على غالبية الافرقاء السياسيين المُقرّر تمثيلهم في الحكومة. وقد أظهرت الاتصالات والتحركات التي جرت في هذا المضمار انّ برّي نجح في فكفكة بعض العقد على أمل تفكيك ما تبقى في قابل الايام. ويروي البعض في هذا المجال انّ رئيس مجلس النواب تمكّن من إنجاز مرحلة مهمّة في مسار التأليف الحكومي تتمثل في حلّ عُقد عدّة منها:

ـ أولاً، تمثيل «القوات اللبنانية» بحيث تعطى 4 وزارات بحقائب كاملة من دون ان تكون بينها حقيبة من الحقائب المسماة «سيادية» ولا منصب نائب رئيس الحكومة.

ـ ثانياً، لا ثلث وزارياً معطلاً يُعطى لأيّ فريق من الافرقاء في الحكومة، وبالتالي فإنّ حصة «التيار الوطني الحر» ستكون 10 وزراء وليس 11 وزيراً كما يطالب، ومن ضمن هذه الـ10 حصة رئيس الجمهورية. فيما حصة «القوات» ستكون 4 وزراء، وحصّة تيار «المردة» وزيراً واحداً، ما يعني انّ حصة التمثيل المسيحي في الحكومة قد حُسمت.

امّا موضوع التمثيل الدرزي العالق بين تمسك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بأن تكون الحصة الوزارية البالغة 3 وزراء له ولفريقه كونه نال تأييد الغالبية الدرزية الساحقة في الانتخابات النيابية، وبين مطالبة رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان بتوزيره او تمثيله بشخصية درزية يسمّيها. وينقل عن برّي قوله عندما سئل عن مدى استعداده للتدخل لحلّ هذه العقدة الدرزية، أن احداً لم يطلب منه هذا التدخل، و«أن الأمر يتطلب أولاً أن يجتمع الرئيس المكلّف سعد الحريري مع جنبلاط لهذه الغاية وبعدها اذا طلب مني التدخل سأتدخل».


ويتردد في بعض الاوساط السياسية المهتمة بالاستحقاق الحكومي انّ التوجه لدى «التيار الوطني الحر» ينحو الى إسناد وزارة الخارجية والمغتربين لأحد النواب الارثوذكس في «التيار» وكذلك إسناد وزارة الدفاع الوطني الى احد النواب الموارنة في «التيار» أيضاً.


اما في ما يتعلق بتمثيل من يسمّون سُنّة المعارضة في الحكومة فقد بدا أنّ «حزب الله» ما يزال يتمسك به ويعتبره مسألة استراتيجية، ويبدو انّه سيُعالج، على الارجح، بتوزير النائب فيصل كرامي ضمن حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مقابل إعطاء الحريري مقعداً وزارياً مسيحياً يعيّن فيه أحد النواب المسيحيين في تيار «المستقبل».


ولكن على الرغم من هذه المعطيات التي يغلب فيها التفاؤل على التشاؤم، فإنّ بعض صانعيها يعترفون في مجالسهم الخاصة بأنّ لا اختراق جدياً تحقق حتى الآن ويبعث على توقع ولادة الحكومة قريباً، ويقول بعض هؤلاء الصنّاع: «هذا ما أنجزناه حتى الآن ولكن علينا ان نتعامل مع بقية العقد بجدية اكبر، حتى يتسنى لنا الدخول في مرحلة اسقاط الحقائب الوزارية على القوى السياسية التي ستشارك في الحكومة ومن ثم الانتقال الى إسقاط الاسماء على هذه الحقائب، ولكن لا يزال دون هذين الامرين الكثير من التعقيدات نتيجة مطالب هذا الفريق أو ذاك بـ»الحقائب الدسمة»، لاعتقاد الجميع انّ الحكومة العتيدة ستعيش حتى الموسم الانتخابي المقبل في أيار 2022.