استفاقت الدولة فجأة على استفادة أصحاب المولّدات من غياب خدماتها منذ سنوات، فتذرّعت بمصلحة المواطنين لإجبار أصحاب المولّدات على اعتماد نظام العدادات والالتزام بتعرفة تساوي 300 ليرة للكيلووات
 

 شنّت الدولة حربها من باب وزارة الاقتصاد، فانتفض أصحاب المولّدات الذين أسسوا تجمعاً لمواجهة ما اعتبروه محاولة لافلاسهم ومنعهم من العمل، لأن تعرفة الدولة غير عادلة.

في المقابل، يصر وزير الاقتصاد رائد خوري على التعرفة والعدادات، ويطالب أصحاب المولدات بتطبيق قرار الدولة أولاً ثم التفاوض إن كان في جعبة التجمّع ما يقوله. ويوضح خلال حديث مع "المدن" أن "القرار سيُطبّق في كل لبنان من الضاحية الجنوبية إلى طرابلس والجنوب وكل المناطق التي يُقال إن القانون لا يطبق فيها"، مؤكداً "عدم السكوت عن أي تدخل للأحزاب والعائلات والعشائر". وينفي خوري أن تكون أقلية من أصحاب المولدات لا تلتزم بالقرارات، فالأكثرية برأيه لا تهتم لقرارات الدولة ومصلحة الناس. في حين يقول رئيس تجمع أصحاب المولدات عبدو سعادة إن "هناك 5% فقط لا يلتزمون" بتسعيرات المولدات وقرارات الدولة. وفيما يعتبر أن تسعيرة 300 ليرة للكيلووات ستؤدي إلى الخسارة، ينفي التهديد بقطع الكهرباء عن المواطنين. ويعلن التوجه للإدّعاء على وزير الإقتصاد "بجرم القدح والذم بعد أن نعتنا بالسارقين". والدعوى لا تخيف خوري الذي يعلن استعداده للمواجهة حتى النهاية "ومن يريد أن يدّعي فليدّعي. وفي النهاية، الناس معنا وتعرف أننا نعمل لمصلحتها، وهي من سيقف ضد المولّدات".

إذن، يصعّد الطرفان، فمن سيربح؟ تحسم مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان أن الفائز هو أصحاب المولّدات في المرحلة القريبة مع فوز مشروع البواخر في المرحلة البعيدة. على أن فوز أصحاب المولّدات سيترافق مع بعض التضحيات، بصغارهم "الذين سيلتزمون بقرار الدولة لأنهم غير محميين، ولأن حجم تمديداتهم ليس كبيراً وبعيداً، ويحتمل تخفيض الكلفة. لكن الكبار لن يلتزموا وسيحتمون بالأحزاب والعائلات النافذة في المناطق، فهي التي حمتهم طوال سنوات. فهل الدولة قادرة على فرض قراراتها على نحو 3000 صاحب مولّد محمي سياسياً؟". وتتساءل المصادر عن سبب تحرك الدولة بعد سنوات من بناء أصحاب المولدات امبراطورية لا يمكن هزّها، واستعمالهم البنى التحتية للدولة. وتذكّر المصادر "باستعمال مؤسسة كهرباء زحلة شبكة مؤسسة كهرباء لبنان وعداداتها دون أي محاسبة. ومن يريد تطبيق القانون فليبدأ من النموذج الواضح والصريح".

وقد ارتفعت أصوات تؤشّر إلى وجود صفقة يستفيد منها فريق سياسي يدعم "شركة لبنانية يملكها بعض الوزراء والنواب"، وفق ما قالته المحامية مي الخنسا ضمن إخبار قدّمته إلى النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، يوم الاثنين 13 آب. وتؤكد أن الشركة "اشترت بتاريخ 6/2/2018 مليون عداد كهرباء من فرنسا"، علماً أن فرنسا كانت قد وضعت هذا النوع من العدادات خارج الخدمة. وبسبب النفوذ السياسي "ألزمت الدولة اللبنانية أصحاب المولدات تركيب هذا العداد وإلزام الشعب بشرائه". ولأن الصفقة تحتاج إلى تبرير مقنع، يروّج المستفيدون أن مصلحة المواطن هي الهدف.

البواخر غير بريئة كذلك. فالحملة على أصحاب المولّدات، وإن كانت في ظاهرها محقّة وتحارب جشع أشخاص استفادوا من غياب الدولة وسيطرة الأحزاب والعائلات على الشارع، إلاّ أن باطنها يحمل استفادة بعض الأحزاب والشخصيات السياسية، من خلال الحفر بهدوء تحت أساسات المولّدات الخاصة تمهيداً لهدم امبراطوريتهم أو تحجيمها والسيطرة عليها، بالتوازي مع تثبيت دعائم بواخر الطاقة واستمرار تدمير مؤسسة كهرباء لبنان. فإلزام أصحاب المولّدات بتعرفة غير عادلة لأغلبيتهم يعني إزاحة بعضهم عن الخريطة نهائياً، وتحجيم البعض الآخر، حتى لو صمد الأقوياء. وتترافق هذه الخطوة مع رفع معدلات التغذية الرسمية في بعض المناطق من خلال الباخرة إسراء. ولا مجال هنا للاعتراض على عدم اضاءة بعض المناطق، لأن القوى السياسية فيها رفضت الباخرة. وفي السياق، تُرفع تعرفة الكهرباء الآتية من مؤسسة كهرباء لبنان. وبذلك، يتم تحجيم المولّدات، وترتفع كلفة الكهرباء، وتصبح البواخر هي الحل الأنسب والأسرع.

ومع أن هذه الاستفادة تقوّي موقف أحزاب أخرى تدعم بعض أصحاب المولّدات من منطلق النكايات السياسية والحفاظ على جمهور انتخابي وجيش مدني يمكن استعماله في الشارع متى تدعو الحاجة، إلاّ أنها مغطّاة بوجع المواطنين ولوعتهم من فواتير المولّدات، خصوصاً أن أهالي الجنوب والشمال يحسدون أهالي كسروان على باخرتهم التي خففت عنهم أزمة المولّدات.

في المحصّلة، لن تفرض وزارة الاقتصاد سلطتها إلاّ على بعض صغار أصحاب المولّدات. في حين تعلم الوزارة ومعها وزارة الطاقة أن تعرفة 300 ليرة للكيلووات غير كافية، وأن احتساب الكلفة يختلف بين صاحب مولد وآخر تبعاً للمكان وعدد المشتركين وحجم استهلاك المازوت وكلفة الصيانة وأجرة الأرض... وكثير من التكاليف التي تدخل في احتساب الفاتورة. وكل ما يمكن فرضه بالقوة، هو إزالة أصحاب المولدات شبكتهم عن أعمدة مؤسسة الكهرباء. ما يعني قطع التيار عن الناس، التي ستنقلب على الدولة بعد ساعات من انقطاع كهرباء المولّد. ما يعني أن على الدولة البحث في دهاليز الصفقات وهدر المال العام، قبل التوجه إلى التفاصيل الصغيرة.