ملاحقة المعارضين بالرأي والكلمة والموقف والاحتجاج والتّجمُع وصولاً للتّظاهر، تُؤشّر إلى انتقال السلطة إلى مرحلة العنف
 

أولاً: الحرّيات المهدّدة في لبنان...

 

طفت على سطح الأحداث اللبنانية في الفترة الماضية معركة مفتوحة بين رواد الكلمة الحُرة ومناهضي الطغيان والفساد من جهة وآلة القمع القضائية الموضوعة في خدمة الوزيرين سليم جريصاتي (وزير العدل) والوزير جبران باسيل (وزير الخارجية). معركة يطمح أهل السلطة من ورائها تطويع وكبت حرية الرأي والتعبير والتفكير ومناهضة الفساد واستغلال النفوذ والاثراء غير المشروع، في حين يُصرّ حملة راية الحرية على مواجهة القمع واعتبار معركة الحرية معركة نظرية وعملية ومبدئية بصرف النظر عمّن يحملها أو يُعارضها، ذلك أنّ ملاحقة المعارضين بالرأي والكلمة والموقف والاحتجاج والتّجمُع وصولاً للتّظاهر، تُؤشّر إلى انتقال السلطة إلى مرحلة العنف، والتّلطي وراء الأحكام القضائية بالاعتقال والحبس والغرامة المالية، وهو عنفٌ على مستويين: العنف الذي تحمله الأنظمة الشمولية (أو أشباهها كما ينحو النظام اللبناني)، والعنف الذي يحمله التأويل الأداتي للسياسة (أي استعمال السياسة أداة قمع بدل كونها محل لتحقيق طموحات المواطن).

 

إقرأ أيضا : رسالة من الناشطة عبير منصور ... هذا ما جاء فيها

 

 

ثانياً: معنى السياسة هو الحرية...

 

تربط المفكّرة الألمانية حنة أرندت (1906-1975) السياسة بالحرية، أو بالأحرى لا يقوم معنىً للسياسة بغياب الحرية. ويرتبط مفهوم الحرية بمفهوم السياسة من خلال مفاهيم تتعلّق ب"الفضاء العمومي" و"المدينة" و"النقاش" و"التّعدّدية" و"المساواة"، وهي كلها مفاهيم تتشابك وفق "ارندت" فيما بينها وتدور في فلكٍ واحد؛ هو الفعل L'action .أي أنّ الحرية ليست مقولة عقلية أو نفسية، بل باعتبارها فعلاً يُنجز في داخل فضاء عمومي، من خلال النقاش والحوار بين أفراد مُتساوين، بحيث أنّ لكلّ فرد الحقّ في أن يُعبّر عن رأيه، أي لا تستقيم الحرية عندما يكون طرف السلطة بيده أدوات القمع، وهذا نجده في تعريف مونتسكيو للحرية السياسية التي ربطها بسلامة المواطن وقدرته على إبداء رأيه حول سلامته على الأقل.

 

ثالثاً: القضاء بوظائف متعدّدة...

 

في حديث حبيب بن الشهيد قال: كنتُ جالساً عند إياس بن معاوية (وكان قاضياً) فأتاه رجلٌ فسأله عن مسألة فطوّل فيها، فقال إياس: إن كنت تريد الفُتيا فعليك بالحسن معلّمي ومعلم أبي، وإن كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك بن يعلى (وكان على قضاء البصرة يومئذٍ)، وإن كنت تريد الصُّلح، فعليك بحُميد الطويل، وتدري ما يقول لك؟ يقول: حُطّ شيئاً، ويقول لصاحبك: زدهُ شيئاً حتى نصلح بينكما، وإن كنت تريد الشّغب، فعليك بصالح السّدوسي، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: اجحد ما عليك، ويقول لصاحبك: ادّع ما ليس لك، وادّع بيّنةً غُيّبا.