إيران لديها خبرة في تدوير العقوبات السابقة، تجعلها قادرة على تكرار تجربتها السابقة
 

لم يتوقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض العقوبات على دول ومختلف الأطراف الأممية والدولية حتى أصبحت معاقبة الآخرين عادة وعاهة يدمنها ويرى فيها أسلوبا لإظهار نفسه أو للإرتياح النفساني! 

وإذا يستدل الفيلسوف الفرنسي الكبير ديكارت " أنا أفكر إذن أنا موجود" فالرئيس الأميركي الذي لم يمارس التفكير طيلة حياته إلا فيما يتعلق بالمال والجنس، ليس لديه دليل على وجوده إلا أنه يعاقب الآخرين وله أن يستدل " أنا أعاقب، إذن أنا موجود".

إن معظم إنجازات ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض تندرج تحت عنوان " العقوبات" بدءاً من إلغاء خطة أوباما الصحية ( أوباما كير) حتى الخروج من اتفاقية باريس للمناخ وكلاهما يمثلان عقوبة في حق المواطنين الأميركيين ومواطني المجتمع الدولي، ثم فرض الحظر على كوبا وفنزويلا وروسيا وإيران وأخيرا وليس آخرا تركيا.

إن الرئيس الأميركي لا يملك ولا يعرف أداة أخرى غير تلك العقوبات. إن هذا الأسلوب أو الأداة هو ما يلتجأ إليه ترامب لتهدئة الذات وتقديم نفسه للآخرين وكأن العقاب هويته، فهل تملك إيران خيارات لتداوي هذه العادة التي تعوّد بها الرئيس الأميركي المارق؟

يبدو أن إيران التي سبق لها وأن تعرّضت لأقسى العقوبات الدولية والأميركية منذ 2010 استعدت لإستئناف تلك العقوبات منذ وصول ترامب إلى الرئاسة وجميع المؤشرات تدل على ذلك بما فيه هبوط العملة الإيرانية خلال الأشهر الثلاثة الماضية. فإنها لم تشهد هذا القدر من الهبوط في 2010 بالرغم من العقوبات التي فرضت على إيران حينها كانت أقسى وأوسع مقارنة مع العقوبات التي فرضها ترامب مؤخراً، وكان الجميع بما فيها أوروبا وروسيا والصين ملتزمة بتلك العقوبات الدولية، في حين أن أنهم رفضوا عقوبات ترامب. 

 إيران 2010 لم تأخذ العقوبات الدولية مأخذ الجد ولم تستعد لها والسوق لم تشهد حينها اضطرابا كالذي شهدته في الأسابيع الماضية نتيجة استعدادها أكثر من اللازم للعقوبات ويمكن القول إن ارتفاع أسعار العملة الصعبة أمام العملة الإيرانية ليس لأسباب اقتصادية واقعية بقدر ما هي تعود إلى أسباب نفسية كما هو الحال في تركيا، التي خسرت عملتها نصف قيمتها خلال شهر بفعل العقوبات الترامبية.

عملياً هناك مخارج عدّة لإيران في كفاحها ضد عقوبات ترامب ومنها أن 60 في المائة من تبادلها التجاري للبترول وغير البترول مع ثلاث دول وهي الصين والهند وتركيا وكل من تلك الدول أعلنت عن عزمها لإستمرار التبادل التجاري مع إيران رغم أنف الولايات المتحدة، وقد شجعت ألمانيا، الهند قبل أسابيع بالاستمرار في شراء نفط إيران وأعلن وزير الاقتصاد الألماني يوم الأمس عن رفض بلاده للإملاءات الأميركية فيما يتعلق بالتعاون التجاري مع إيران مؤكداً "نحن نقرّر مع من نقيم علاقات اقتصادية". مما يعني أن هناك إرادة سياسية أوروبية للحفاظ على الإتفاق النووي وإفشال خطة ترامب، خاصة عبر إعطاء الشرعية لتعامل الدول مع إيران فضلاً عن أن الإتحاد الأوروبي يفتّش عن طرق لتدوير العقوبات الأميركية ضد إيران وهبوط 5 طائرة ركاب من طراز أي تي أر الإيطالي الصنع متزامنةً  مع موعد استئناف العقوبات الأميركية، الاثنين الماضي في مطار مهر آباد يكشف عن جدية الاتحاد الأوروبي في الإبقاء على الإتفاق النووي.

إن إيران لم تنهار ولم تستسلم أمام تلك العقوبات الدولية التي التزم بها الجميع وأدت إلى خفض صادراتها من الخام الى الثلث في 2012، فهل تستسلم أمام العقوبات الجديدة التي لا تلتزم بها دول كبرى من أمثال الصين وروسيا وتركيا والاتحاد الأوروبي؟ 

فضلا عن أن ترامب يراهن على تلك العقوبات لا من أجل إسقاط الجمهورية الإسلامية بل من أجل جرّها إلى طاولة المفاوضات وكسر المقاطعة الدبلوماسية التي استمرت منذ 40 عاما بين البلدين.

فإيران لن تكون لقمة صائغة لترامب ولن تستسلم ويعرف الأخير هذه الحقيقة جيدا وهذا هو سرّ إلحاحه على التفاوض مع إيران في أي مكان وفي أي موعد يراه نظيره الإيراني مناسباً، ودعوة إيران الى التفاوض التي يكرّرها ترامب بدورها تخفّف من حدّة العقوبات وتظهر مدى سخرية تلك العقوبات.
فيما عدا تلك المخارج التي ذكرناها، فإن إيران لديها خبرة في تدوير العقوبات السابقة، تجعلها قادرة على تكرار تجربتها السابقة، في حين أن المشرفين على تطبيق العقوبات السابقة ضد إيران، من بين موظفي الخارجية الأميركية لا يتعاونون مع خطة ترامب لإستئناف تلك العقوبات.

وبدل أن تجبر ترامب إيران على الإستسلام أو التفاوض، ستلقن إيران درساً لترامب مفاده أن الإدمان على عقوبة الآخرين ليس ثروة يمتكلها ويراهن عليها بل إنه مرض نفساني يجب التخلص منه.