أن نرى رجال دين يعيشون كما يعيش الزعماء والسلاطين هنا الطامة
 

التجارب زيادة في العقل، وفي تجربتنا كبشر نرتدي الزي الديني،وبحسب المصطلح يطلق رجال دين، مع كونها تسمية غريبة، نشاهد الكثير من نتؤات هذا الصنف الذي لا يخضع إلى أدنى معيار لتحديد العالم الذي يستحق أن يكون واعظاً وهادياً ومرشداً لنفسه قبل غيره، لكن العالم في الواقع يعرف بهديه وآثاره وخوفه من ربه، لا بثيابه ومظاهره ولا بمنصبه الذي يسعى إليه سعي الشياطين، ونرى ونسمع من كل حدبٍ وصوب عن مشايخ زادها الله بسطةً في الجسم وقلة في العقل والدين والإحتياط في أموال الناس وأعراضهم، ومنهم من يتقن فن التجارة في العملات الصعبة وأحجار القبور واللحود،ويأكلون أموال الله ورسوله تحت عناوين عديدة، ليشبعوا رغباتهم وشهواتهم بطرق غير مشروعة وغير شرعية،لأنهم مراؤون مخادعون يزعمون لأنفسهم من الفضائل والمزايا ما تنكره نفوسهم عليهم،وما ينكره عليهم من عاشرهم وعاينهم وعايشهم أكثر من ظلهم، فتراهم يحتقرون من يقترف خطيئة ويزدرونه لا لأنهم أتقياء وأطهار وأبرياء كما يزعمون بكل وقاحة،بل ليوهموا الناس أنهم غير مذنبين وأنهم دعاة إلى الله وإلى الدين.

ولو أنهم تكاشفوا وتصارحوا وصدقوا مع ربهم ومع أنفسهم لما تجرؤا أن يتسللوا لواذاً ليتبؤوا مقاعد في الإفتاء والوعظ والإرشاد، لكن وما العجب في ذلك، صدق أبو العلاء المعري بقوله: "من ساءه سببٌ أو هاله عجبٌ فلي ثمانون عاماً لا أرى عجباً ـ الدهر كالدهر والأيام واحدةٌ/والناس كالناس والدنيا لمن غلبا... "

 

إقرأ أيضا : محمود درويش قدس القصيدة

 

 

نحن نعي أن الدنيا لمن يريدها من أهلها وأهل السياسة وأهل الخداع، أما أن نرى رجال دين يعيشون كما يعيش الزعماء والسلاطين هنا الطامة وهنا الصاخة، ونحن نعلم أن من يرتدي هذا الزي من العمة والجبة يعني أنه تخلَّى عن الدنيا وزينتها ويذكرنا بالآخرة ، مفارقة عجيبة، أصبح رجل دين يعني رجل دنيا في الأعم الأغلب لا رجل الله ولا رجل الآخرة...

هنا نذكر بعض ما روي عن أهل البيت (ع) من أنه : إذا رأيتم العلماء مقبلون على الدنيا فاتهموهم في دينهم، أو إذا رأيتم الرجل منهم قد حسُن سمته وهديه، وتواضع في حركاته وسكناته، فرويداً رويداً لا يغرَّنَّكم، قد نصب الدين فخاً لكم حتى إذا تمكن من الحرام اقتحمه...

فكل واحد من هؤلاء يعظ الناس ويخوفهم من نار الله وعقابه، وينهي الناس عن المعاصي، ويوجهون مواعظهم إلى المستضعفين الذين يظلمهم الأقوياء ولا يستطيعون أن يظلموا أحداً، فيخوفوهم من نار جهنم تشوي وجوههم وأفئدتهم، إن أمثال هؤلاء  من المفتين والوعاظ والموظفين اللصوص، الذين يهددون ويهولون على المساكين الطيبين،والغريب فيهم يتحدثون عن الزهد ويرتدون عباءات حريرية وقصور وشقق وسيارات ضخمة ومرافقين رغم أن لا أحد يريدهم لأنهم خارج المعادلات الإنسانية والأخلاقية والأمنية والسياسية، ويملكون ما يملكون باسم الدين والعمة والجبة من بيوت وعقارات وتجارات رائجة للنساء والبشر والحجر.

وأختم بحادثة تاريخية لعلَّ الناس الطيبين يدركون حقيقة هؤلاء الذين اصطادوا على ظهورهم وأتقنوا فن اللعب ليصلوا إلى مآربهم ـ عليهم ما عليهم ـ مرَّ أبو ذر الصحابي الجليل بمعاوية، وهو يبني داره الخضراء،فصاح أبو ذر في وجهه قائلاً: من أين لك هذا يا معاوية! فإن كنت بنيتها من مال المسلمين فهي الخيانة، وإن كنت بنيتها من مالك فهو الإسراف...