من المجدي التكلّم عن موضوع الطفل وتربيته ضمن عائلته وكيف يتأثر هذا الطفل منذ ولادته بوجود أمه وأبيه بقربه. واهتمّت دراسات كثيرة بتفسير وتحليل نظرات الوالدين لطفلهما الرضيع وكيف تنتقل كل الأحاسيس والمشاعر من الأهل تجاه الطفل الذي لا يطلب منهم المأكل والمشرب فقط، بل هو بحاجة ماسة للاهتمام والرعاية وخصوصاً للحب والعاطفة. ورغم تطبيق الأهل، ولا سيما الأم، نفس قواعد التربية على جميع أطفالهم، يبقى دائماً فارق كبير فيما بينهم على صعيد التصرفات وردّات الفعل والطباع والشخصية. فمركز الطفل في عائلته يلعب دوراً بارزاً في تحديد شخصيّته. ما هي تأثيرات «مركز الطفل» النّفسية وكيف يمكن لعلم النفس أن يفسّر هذا الاختلاف الذي نجده ما بين الطفل البكر والطفل الأصغر؟

ممّا لا شك فيه، أنّ الطفل يتأثّر بترتيبه في كنف عائلته. فإذا كان الطفل هو الطفل البكر في العائلة ولديه عدة اخوة واخوات صغار، يتأثّر بالمعطيات العلائقية التي تجعله طفلاً يتحمّل مسؤولية أكثر من طفل «آخر العنقود». ومن ناحية أخرى، يتميّز الطفل الوحيد، من دون اخوة أو اخوات، بهدوئه ونضجه وذلك لأنّه يمضي معظم الوقت مع أشخاص راشدين. ولكن طبعاً، لا يمكن تعميم كلّ تلك الأقوال. فنجد أحياناً بعض الأطفال الأبكار أو الوحيدين لا يتحمّلون مسؤولية اخوتهم واخواتهم ولا يتصرّفون بنضج.

الطفل الأوّل في العائلة

عندما يولد أوّل طفل في العائلة يكون مصدرَ فرح ليس فقط للأب والأم ولكن للعائلة بأجمعها. ويمثّل مجيء الطفل الأوّل إلى أسرته بداية حياة جديدة للوالدين. وتكون أوّل خبرة للأهل الذين لم يعرفوا قبل معنى الأبوّة والأمومة. فيكون الأب فخوراً بالولد الذي أتى به هو وزوجته، ويتوقّع عادةً الأب بالّلاوعي صورة الوليد، ويحدّد مع الأم اسمه، ويكون قد حضّر له غرفته ولوازمه من ثياب وحفاضات حتّى قبل وصوله. أمّا الوالدة، فبعد القلق الذي شعرت به خلال الحمل وبعد «الآلام» التي رافقتها خلال عملية الولادة، تشعر وكأنّ كلّ ذلك قد انتهى بسحر ساحر مباشرةً بعد الولادة.


وتبدأ عملية الاهتمام والتربية لاحقاً، حيث يكون الطفل في طور التجربة و»المحاولة». فلا شكّ في أنّ الطّفل الأوّل يشكّل «دروساً» للوالدين، اللذين يتعلّمان منه ويطبّقان ما قرآه في الكتب والمجلّات العلمية والتربوية.


وعادةً، تكون الجدّة أو الأخت الكبرى، إضافةً إلى الطبيب، ملجأً للأسئلة «اللامتناهية» عند الأم التي تمرّ بفترات هلع خلال هذه الفترة الحسّاسة من عمر الطفل.


وبسبب كل هذا الاهتمام الكبير وتحقيق مطالب الطفل مهما كانت، يخلق عند الطفل شعور بالراحة والهدوء لن يستمرّ دائماً، لأنّه سيأتي يوماً يطلب فيه الطفل شيئاً لن يستطع الأهل تنفيذه. فيصاب الطفل بالقلق والإحباط بسبب عدم تنفيذ رغباته. وإذا ظلّ الأهل ينفّذون كلّ رغباته باستمرار، سيصبح الطفل شخصاً أنانيّاً وطمّاعاً ولا يحب مشاركة الآخرين بشيء يملكه.


كما أكّدت الدّراسات النفسية-الاجتماعية أنّ الطّفل الأوّل في عائلته، يكون إجتماعياً جدّاً عندما يكبر ويميل إلى أن يكون قائداً في جماعته. كما هو قادر أن يحلّ مشكلاته ومشكلات الآخرين بكثير من الموضوعية والنضج الفكري.

الطفل البكر

الطفل البكر هو الطفل الذي لديه اخوة واخوات أصغر منه. وهو أوّل طفل لوالديه، هو «حقل تجربة» يستقبل ما هو حسن أو رديء، والصواب والخطأً من الأهل. وهو الطفل الذي اهتم به الجميع في العائلة، من «كبيرهم لصغيرهم». وبسبب الحماية الزائدة والاهتمام المبالغ به بعض الأحيان، وبعد وصول الاخوة والاخوات الآخرين، تطرأ عند الطفل تغييرات وهي:

• تغيير بسيط في تصرّفاته وسلوكه، أي ينغلق على ذاته لفترة معيّنة من الوقت، ثم ما يلبث أن يتأقلم مع الوضع الجديد (وصول الأخ/ الأخت).

• وإمّا، تغييرات جذرية في سلوك الطفل البكر، تؤدّي إلى مشكلات سلوكية كبيرة، لا سيّما خلال مرحلة المراهقة والرشد.


ويجب على الأهل أن لا يجعلوا طفلهم البكر، «أستاذاً» أو «معلّماً» على إخوته وأخواته، بل أن يمنحوه بعض المسؤوليات مثل الرعاية، مع التنبّه الى أنّ هذا الأمر يمكن أن يجعل من الطفل البكر شخصاً متسلّطاً على أفراد عائلته وتبدأ المشكلات فيما بينهم. لذا يجب اتّباع قاعدة ذهبية في هذا الخصوص وهي:

إعطاء الطفل، مهما كانت تراتبيّته ضمن العالئة، مسؤولية واحدة بسيطة ويجب أن يقبل بها مِن دون أن تُفرَض عليه فرضاً.

أمّا على الصعيد النفسي، فنلاحظ أنّ الطفل البكر هو حسّاس وعصبي أكثر من إخوته وأخواته، ولا يتحمّل فكرة الفشل لأنّه تربى على مبدأ «أنت الأفضل، أنت الأوّل بين إخوتك».


ومن أهم ميزات الطّفل البكر:

• لا تمارَس عليه سوى سلطة الأب وسلطة الأم. فلا أحد من اخوته أو اخواته يمكن أن يعطيه أوامر كما يستطيع هو أن يفعل. وإذا توفّي أحد الوالدين في سنّ مبكرة، يتحمّل الطفل البكر مسؤوليات عائلته وعليه أن:

• يلعب دور الأب والأم خلال غيابهما. فيتعلّم التصرّف الصّحيح والنّضج خلال مرحلة مبكرة من طفولته بعد أن يكون قد طلب الأهل منه الأهل ذلك. وإذا لم يتصرّف بشكل ملائم، تتمّ معاقبته بشكل عسير على أيّ هفوة يرتكبها.

• الطفل البكر في الّلاوعي هو «فخر» للوالدين ما يعزّز عنده ثقته بنفسه. فعادةً يتمثّل الأهل به «كعيّنة» عن أطفالهم.

• عادةً يكون الطفل البكر قدوةً و«مثالاً أعلى» لباقي إخوته.


ولكن يجب الانتباه إلى أنّه لا يمكن تعميم كلّ تلك الميزات، لأنّنا نجد في بعض الأحيان، أطفالاً «أبكاراً» لا يتحلّون بأيّة ميزة من الميزات المذكورة. فطبعاً التربية وطريقة التعامل يلعبان دوراً أساساً في التكوين النفسي عند الطفل البكر.

 

¶ ملاحظة: سنتكلّم الأسبوع المقبل في الجزء الثاني، استكمالاً لهذا الموضوع، عن الطّفل «الأوسط» والطفل «صغير العائلة» و«الطفل الوحيد» و«الطفل من زوج أو زوجة الأب أو الأم».