مستنداً إلى ربط تنفيذ مؤتمرات الدعم الأوروبي بتشكيله الحكومة
 

ليس غافلاً الرئيس المكلف سعد الحريري عن كل تفاصيل ما يحيط بعملية تشكيل الحكومة من شروط ومطالب وإملاءات، بعضها محق وبعضها منفوخ ومضخّم، وبعضها الاخر غير قابل للتنفيذ، وهو يمتلك على ما يبدو رؤية واضحة لحصص الاطراف السياسية ولتوزيع الحقائب الوزارية، لكنه يتروى في معالجاته لحل العقد التي تعترض التشكيل لفكفكتها واحدة تلو الاخرى وتشكيل حكومة تُرضيه هو اولاً قبل ان تُرضي الاطراف الاخرى. ذلك ان الرئيس الحريري مدرك ان لا غنى عنه شخصيا لتشكيل الحكومة، وانه ليس من السهل تكليف شخص غيره مهما كانت الظروف السياسية المحيطة بالبلد وبعملية تشكيل اي حكومة.


ويرى متابعون عن قرب للموضوع الحكومي، ان الحريري لم ولن يخضع للتهويل والتخويف والابتزاز، ولا للتهديد بسحب التكليف النيابي له وتكليف شخصية اخرى، لأنه لا بديل عنه في الظرف الحالي لأكثر من سبب وسبب داخلي وخارجي، إذ تفيد بعض المعلومات ان الحريري يعتمد إضافة الى ثقله الداخلي السياسي والشعبي والطائفي، على دعم اوروبي غربي واسع اضافة الى الدعم العربي، وقد تجلى ذلك في مؤتمرات دعم لبنان التي جرت قبل الانتخابات النيابية (اولها في روما في 15 اذار، تلاه مؤتمر سيدر الاقتصادي في باريس في السادس من نيسان، ثم في بروكسل، قبل نهاية نيسان بمؤتمر النازحين)، وهو كان على رأس حكومة «استعاد الثقة»، وقد بقيت مفاعيل هذه المؤتمرات معلقة الى ما بعد إجراء الانتخابات وبغض النظر عن نتائجها، التي يهم الدول الداعمة منها انها اتت بسعد الحريري على رأس كتلة نيابية كبيرة ما كان يعني انه عائد لرئاسة الحكومة، وان تنفيذ مقررات المؤتمرات رهن بتشكيله هو شخصياً الحكومة.


  وتضيف المصادر انه بهذا المعنى واذا صحت هذه المعلومات، فإن الدعم الدولي لن يُصرف للبنان بسهولة إن لم يكن الحريري على رأس الحكومة او على الاقل موافقا على تكليف شخصية اخرى غيره، اذا كانت ظروف تشكيله الحكومة صعبة الى درجة قد تدفعه للاعتذار، مع انه نفى قبل ايام قليلة نية الاعتذار بشكل مطلق. 


ويبدو الحريري كمن يعرف قيمة هذا الدعم الاوروبي، الذي من الصعب على اي طرف سياسي ان يتجاهله او يستغني عن 11 مليار دولار خصصها مؤتمر «سيدر» للاستثمار ولمشاريع البنى التحتية في لبنان، وهو امر يتوافق ايضا مع خطة الرئيس ميشال عون الاقتصادية التي تعوّل على الدعم الاوروبي من اجل تحسين الاقتصاد ودعم المشاريع الانتاجية وتخفيض الاعتماد على الاقتصاد الريعي.


وثمة من يُفسّر هذا الوضع غير المقلق لدى الحريري على انه نوع من الضغط  المضاد، يستعمله الرئيس المكلف على طريقته الهادئة بوجه من يضغط او يفرض شروطاً عليه لتشكيل حكومة لا تناسبه بالكامل، بغض النظر عن اسبابه الموجبة ونظرته لكيفية تشكيل الحكومة سواء أكانت صحيحية ام غير صحيحة، ومصدر قوة ضغط الحريري وتمسكه بمعاييره لتشكيل الحكومة هو في وضع الاطراف الاخرى على باب الانتظار حتى تتبلور صيغة تُرضيه وتُرضي الاغلبية، وإلاّ فأنه ماضٍ على ما يبدو في عملية شد الحبال وعض الاصابع، وهو لا يبدو مستعجلا كالرئيس ميشال عون و«التيار الوطني الحر»، مع انه مضطر في نهاية المطاف الى تشكيل حكومة الممكن لا الحكومة المثالية.


وما يُفسّر برودة الحريري تجاه السقوف العالية والاتهامات الموجهة له والتهديدات بتحركات ما سياسية أو شعبية، ان الاخرين ملّوا الانتظار غير المبرر برأيهم، بينما هو يفرض على نفسه الصبر والنَفَس الطويل حتى تقتنع كل الاطراف انه المعني الاول بتشكيل الحكومة وان بعض الاساليب المستخدمة ضده لا تُفيد طالما ان موقعه في اللعبة السياسية محفوظ ومكفول خارجياً.