في الصالونات المغلقة، باتت الأمور تُقال كما هي. رئيس الجمهورية يصوّب بالإصبع على من يريد تعطيل عهده و«كسره». الرئيس المكلف يجاهر برغبته بتعديل التسوية الرئاسية من دون أن تسقط. وليد جنبلاط يكشف أنّ حرباً سورية تشنّ عليه بهدف «الانتقام»... و«القوات اللبنانية» لن تتراجع.
 

عملياً لا تطوّر يُذكر حصل على مستوى الأزمة الحكومية قبل توجّه موكب الرئيس المكلّف سعد الحريري أمس الى عين التينة، ثم حصول اللقاء المؤجّل بين الأخير والوزير جبران باسيل. يحاول الحريري عملياً استنفاد وسائل المعالجة كافة للعقد «المستعصية» قبل أن يقدّم تشكيلته الرسمية الأولى إلى رئيس الجمهورية.


وإذا فعلاً كان هناك من تطوّر ملفت، فمصدره الضاحية عبر البيان الذي أصدرته كتلة «الوفاء للمقاومة» أمس، معتبرة أنّ الاتصال السياسي بين الحكومتين السورية واللبنانية هو الممرّ الإلزامي الوحيد لمعالجة ما وصفته بـ«المخاطر الجسيمة».


عقدة جوهرية تشكّل كبرى الألغام في مسار تأليف الحكومة في ظل ما يشبه التحذير السوري عالي اللهجة، كما تقول أوساط مطلعة، عن رفض دمشق الاستمرار في سياسة «العلاقات تحت الطاولة» أو «بالواسطة» بين لبنان وسوريا!


بعد أيام قليلة من تكليف رئيس الجمهورية الحريري تشكيل الحكومة، إستضاف جنبلاط السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد إلى عشاء بحضور أصدقاء.


سأل جنبلاط الديبلوماسية الاميركية عن «شروط» أميركية على الحكومة الجديدة. بدا جنبلاط كمَن يحاول رسم صورة مسبقة عن العوائق التي قد تقف أمام الحريري في مهمة تشكيل حكومته الثالثة، بوجود قرار مسبق لديه بإعلانها «حرباً» سياسية بهدف الإمساك بالحصة الدرزية الثلاثية داخل الحكومة المقبلة.


جواب السفيرة الاميركية انّها وعدت بالاستفسار من إدارتها. لاحقاً حملت ريتشارد الجواب اليقين: نحن (الإدارة الاميركية) نتمنى أن يكون جنبلاط و«القوات اللبنانية» ضمن الحكومة من أجل التوازن، ونرغب بالمقابل أن لا يتمثّل «حزب الله» في الحكومة من ضمن مسارنا الطبيعي في التعامل مع الحزب، لكن وجوده داخل الحكومة، إذا شكّل عاملاً للاستقرار، فليكن».


الأهم في ما قالته ريتشارد، وردّدته لاحقاً في مجالسها، أننا «لا نتدخل بالحصص والوزارات، لكن اذا تسلّم «حزب الله» حقيبة «مؤثرة» ولنا تعاط مباشر معها سنقاطع هذه الوزارة ونطلب بالمقابل من المنظمات الدولية مقاطعتها».


لاحقاً، وخلال تقدّم المفاوضات حول تأليف الحكومة، وبعدما برز مطلب الحزب باستلام حقيبة الصحة، أشارت ريتشارد الى بروتوكول تعاون مع وزارة الصحة بقيمة 40 مليون دولار سيتمّ إيقاف العمل به، إضافة الى مقاطعة أميركية ودولية تامّة لهذه الوزارة.


وقد برز هذا التوجّه بشكل خاص خلال لقاء سفراء «مجموعة الدعم الدولية للبنان» الرئيس الحريري في بيت الوسط في 11 تموز الفائت (سبقه أيضاً لقاء مع السفيرة الأميركية في اليوم نفسه) لتقديم المذكرة التي كانت قد رفعتها الى رئيس الجمهورية في 14 حزيران، والتي قرأ بين سطورها رغبة دولية واضحة بعدم رؤية ممثلين لـ«حزب الله» على رأس وزارات «تتنفّس» من قروض ودعم من الدول المانحة، ما سيؤثّر تلقائياً على النهج الدولي في التعاطي معها، ما اعتُبر، إضافة الى مطلب «الحكومة المتوازنة» والنأي بالنفس والالتزامات بمقررات المؤتمرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بمثابة «دفتر شروط متكامل» على الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية وتحديد مسبق لبنود البيان الوزاري.


وقد أتى لاحقاً بيان مجلس الأمن في 23 تموز الماضي بشأن ضرورة تأليف الحكومة «سريعاً» ليُبرز الضغط الدولي على الجانب اللبناني.


عملياً، لم يعط الرئيس المكلّف كلمته بعد بشأن مطلب حقيبة الصحة لـ»حزب الله». وفق المعلومات، الحريري، وبعكس ما تروّج له بعض القوى السياسية، لم يَعد أيّاً من منتظري «توزيعة» الحقائب بكلمة أو التزام. تقول أوساطه: «هو فقط أخذ عِلماً بمطالب الأحجام والحقائب». وبالتأكيد، فإنّه لن يكون معنياً بتقديم جواب واضح لـ«حزب الله» أو لطرف سياسي آخر يطالب بحقيبة الصحة طالما لم تُحلّ العقدة الأم وهي عقدة الأحجام.


حتى الآن لم يتخلّ الحريري عن ورقة أساسية في يده: حصة رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» تساوي، برأيه، 9 وزراء. «القوات» 4 مع حقيبة سيادية ووزير مسيحي له، في عملية تبادل مع الرئيس عون بإعطائه سنيّاً، وحقيبة لـ«تيار المرده». أما حصته فـ 5 وزراء سنّة، مع قناعة حريرية بأنّ عون والوزير جبران باسيل لن يتنازلا بسهولة عن حقيبة سيادية لـ«القوات» وبأن «إحالة» عقدة السياديّة إليه فاقمت المشكلة.


وفيما توجّه أصابع اتهام عونية واضحة للحريري بعرقلة تشكيل «أولى حكومات العهد»، بمفهوم رئيس الجمهورية، والاستثمار السلبي في المماطلة في تقديم المسودة الحكومية، فإنّ الحريري وجّه دعوة للقاء باسيل في محاولة منه لفتح ثغرة في الملف العالق وتعبيد الطريق لمرسوم الحكومة قبل حلول عيد الأضحى، وفق قريبين منه.


لكن، ما أثار استياءً حريرياً هو تلويح وزير الخارجية بورقة الشارع بقوله: «اذا تطلّب الأمر عملية سياسية دبلوماسية شعبية لفك أسر لبنان من الاعتقال السياسي لن نتأخر»!


ما بدا مُلفتاً، مسارعة قريبين من الحريري إلى القول إن «الشارع بالشارع يذكر»، مع استغراب بتلويح العهد القابض على السلطة بهذه الورقة، فيما من المفترض أن تقوم المعارضة بذلك!


ويفيد مطلعون بأن فريقاً ضمن العهد يبدي حماسة لهذا الخيار، لكن أي مبادرة بهذا الاتجاه قد تدفع الحريري، وإن كان رافضاً بالمطلق له، الى شدّ عصب شارعه بالمقابل. وقد كان ملفتاً أيضاً تحذير «حزب الله»، عبر بيانه أمس، من مخاطر وتداعيات «الانزلاق نحو التوتر والاحتكام خارج المؤسسات».