لا أريد هنا أن أتهم حزب الله بالمراوغة أو الخيانة، وأنه خدع الرأي العام اللبناني عموماً والشيعي خصوصاً برفعه شعارات فضفاضة لكسب أصوات الكثير من الشيعة
 

معلوم أن الإنتخابات النيابية هي عملية توكيل بين المواطن من جهة وبين من يختاره في الندوة البرلمانية كوكيل عنه بشروط معروفة وواضحة، منها ما هو عام كتمثيله والدفاع عن حقوقه وتشريع قوانين جديدة تساهم في تحسين حياته ومراقبة سير السلطة التنفيذية بما يراعي القوانين المرعية الإجراء المتفق عليها بين اللبنانيين، ومنها ما هو شروط خاصة يتعاقد عليها كل من المواطن والوكيل (النائب) قبيل الإنتخابات وما إصطلح عليه ب "وعود إنتخابية" أو "البرنامج الإنتخابي"،، وهذه الشروط واستمرارها تكون ملزمة شرعاً لاستمرار الوكالة بحسب فتوى الإمام الخميني في رسالته "تحرير الوسيلة (كتاب الوكالة) المسألة رقم 6 - حيث جاء بالحرف: 

"ما كان شرطا في الموكل والوكيل ابتداء شرط فيهما استدامه، فلو جنّا او أغمي عليهما أو حجر على الموكل فيما وكل فيه بطلت الوكالة على الاحوط، ولو زال المانع احتاج عودها الى توكيل جديد". 

فإذا اعتبرنا أن الحملة الانتخابية التي خاضها حزب الله في الإنتخابات الأخيرة التي حصلت في أيار الماضي، كانت هذه المرة وبخلاف كل المرات السابقة، إنما قامت على ركيزة أساسية هي التعهد بمحاربة الفساد، هذا التعهد الغليظ الذي تكرر على لسان  الأمين العام للحزب سماحة السيد حسن نصرالله والذي وعد الناس بأنه لن يألو جهداً ولن يتهاون بتحقيق هذا الوعد حتى لو إضطر إلى النزول إلى الشارع، وأنه أبلغ (كما قال) بذلك الخصم والحليف.

إقرأ أيضًا: باخرة ع الزهراني أو قلوب ملياني!

وأمام هذا الوعد القاطع والواضح والصريح، ذهب الناس الذين صدقوه الى صناديق الاقتراع وأدلوا بأصواتهم ومنحوه ثقتهم ووكالتهم لتحقيق هذا المرتجى الذي يحلم به كل مواطن لبناني شريف! 

ولا أخفي هنا بأن هذا الوعد الغليظ الذي أطلقه السيد قبل الانتخابات، كاد أن يُؤثر حتى بي أنا، المرشح يومها للإنتخابات النيابية بوجه الثنائي.

ألا وقد انقضى الآن على الإنتخابات النيابية أكثر من ثلاثة أشهر، ولم نشهد من تحقيق ذلك الوعد، إلا تشكيل ما سمي ملف "محاربة الفساد" أُسند الى النائب حسن فضل الله الذي لم نعد نسمع عنه شيئاً!! على عكس ما رأيناه من ملف عودة اللاجئين السوريين الذي أوكل هو الآخر الى النائب السابق نوار الساحلي حيث انتشرت سريعاً مكاتب ومراكز لمتابعة الموضوع وعُلّقت اليافطات بالقرى والمدن وانتشرت أرقام الهواتف للمراجعة وإنجاح هذه الخطوة "الجدّية".

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل على العكس تماماً، صرنا نسمع حملات دعائية "وتثقيفية" من كوادر ومسؤولين داخل الحزب، وبطرق ممنهجة وموجهة لتبرير عدم الإيفاء بوعود السيد، فعادت نغمة "وحدة الطائفة" أولى من محاربة الفساد (مسؤول الوحدة الثقافية الشيخ أكرم بركات)! وازداد الحديث عن درء الفتنة! وحتى عن أولوية تأخير "الحرب" على الفساد من أجل الاستعداد للحرب القادمة ... وما الى هنالك من عناوين ظننا أنها لن تعود مرة أخرى وأنها ذهبت الى غير رجعة أمام إصرار ووعد السيد.

وإن كنت لا أريد هنا أن أتهم حزب الله بالمراوغة أو الخيانة، وأنه خدع الرأي العام اللبناني عموماً والشيعي خصوصاً برفعه شعارات فضفاضة لكسب أصوات الكثير من الشيعة وهو يعلم جيدا بأنه لن يلتزم بما قد وعد به، وإنما يمكن القول ان المقدار المتيقن هو أن الوكالة التي أُعطيت لنواب الحزب، باتت وكالة غير شرعية، وأن الواجب الديني والأخلاقي (بحسب فتوى الإمام الخميني) هي أن يقدّم هؤلاء النواب إستقالتهم فوراً، وإلا فهم بموقع المغتصب.