تعويل على علاقة عون وبرّي لضبطها
 

لم تمض أيام قليلة على استقبال رئيس مجلس النواب نبيه بري، لرئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، الذي خفف أجواء التشنج التي كادت تؤدي إلى تصادم في الشارع بين جمهور الفريقين قبل الانتخابات، حتى اشتعلت المواجهة الكلامية بين الطرفين من جديد، مما أعاد وضع علاقة حركة «أمل» و«الوطني الحر» على رمال متحركة، بسبب الخلاف حول كيفية إدارة الدولة، أضيف إليها عامل جديد، مرتبط بفتح معركة الانتخابات الرئاسية قبل أربع سنوات من موعدها، عبر تأكيد عون على أن «الحرب المفتوحة على باسيل، سببها أنه يتصدر قائمة السباق الرئاسي».

ومع دخول الطرفين في هدنة طوعية بعد الانتخابات، أسس لها لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري في القصر الجمهوري، عاد التوتر إلى ساحتيهما مجدداً، من بوابة الصراع على إدارة ملف الكهرباء واستجرار الطاقة من البواخر التركية المستأجرة، وحرمان مناطق واسعة من جنوب لبنان (صور الزهراني) التي تعد الخزان البشري لجمهور «أمل» من التغذية الكهربائية، وخلق مادة إضافية لتراشق كلامي من العيار الثقيل لجمهورهما عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتعتبر حركة «أمل» أن ميزان العلاقة بينها وبين التيار الوطني الحر، محكوم بعلاقة الرئيس نبيه بري برئيس الجمهورية ميشال عون، وتوافقهما على القضايا الاستراتيجية، وأكدت مصادر بري لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك ثوابت وطنية تم التفاهم عليها مع رئيس المجلس خلال استقباله نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي يرافقه الوزير باسيل إلى عين التينة، تتمثل في السرعة بتأليف حكومة وحدة وطنية لا تستثني أحداً، وإنقاذ الوضع الاقتصادي الذي يتطلب إزالة عراقيل تشكيل الحكومة من أمام الرئيس المكلف وإطلاق عجلة المؤسسات الدستورية»، مشيرة إلى أن «التفاهم شمل أيضاً عودة النازحين السوريين، عبر الاتفاق الذي جرى خلال لقاء الرؤساء الثلاثة في القصر الجمهوري، وليس وفق استراتيجية جبران باسيل». وشددت مصادر بري على «وجود خلافات عميقة بين الطرفين، حول حل أزمة الكهرباء وصفقات البواخر، وموضوع مكافحة الفساد والصفقات الأخرى، إضافة إلى مشاريع قوانين أخرى، تجعل العلاقة متحركة دائماً وغير ثابتة». وكان التوتر بين «أمل» و«التيار الحر» بلغ ذروته قبيل الانتخابات النيابية، على خلفية تسريب تسجيل صوتي لجبران باسيل، وصف فيه بري بـ«البلطجي» وتضمن عبارات قاسية بحق رئيس البرلمان، مما استدعى تحركات في الشارع من قبل مناصري بري وقطع للطرقات والتظاهر أمام مقر التيار الوطني الحر في منطقة سن الفيل شرق بيروت، قبل أن يحتوي التوتر اتصالاً أجراه عون ببري أدى إلى سحب فتيل التوترات على الأرض.

ولا ينكر التيار الوطني الحر، أن بناء علاقة استراتيجية مع حركة «أمل» أقرب إلى المستحيل، إذا اعترف عضو تكتل «لبنان القوي» النائب زياد أسود، بوجود خلاف عميق مع «أمل» حول إدارة الدولة وكيفية حل مشكلاتها وهي مبنية على رواسب الماضي». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لو كانت هناك إدارة صحيحة للدولة منذ عام 1992 لما وصل لبنان إلى ما وصل إليه الآن». وقال: «يحاولون أخذنا إلى الأدوار التي يلعبونها ولن نذهب إليها، لأن المسار الذي اعتمدوه لا يتوافق ومعايير بناء الدولة وقوانينها ومصالح الناس». وأضاف أسود: «مشكلتنا أن الدولة مقسمة، إلى درجة أن كل زعيم يقرر إداراتها وفق مزاجه، وللأسف الدولة تسير الآن بحسب مزاج أشخاص وليس مؤسسات، لذلك خلافنا جوهري مع حركة «أمل» ومع كارتيل مالي، وطبقة سياسية لا تعتمد الدستور والقانون في مقاربة إدارة الدولة وحل مشكلات الناس».

وكان رئيس الجمهورية ميشال عون، عزا في حديث صحافي أسباب فتح معركة الرئاسة مبكراً، إلى «وجود شخص في رأس السباق اسمه جبران باسيل يطلقون عليه كل أنواع الحروب». وقال: «هذه الحروب لا تزعجه ولا تزعجني، وكلما رموا شائعة يواجههم بالحقيقة».

وأثار هذا الكلام زوبعة في الصالونات السياسية، وعبرت مصادر نيابية عن استغرابها لهذا الموقف، وأشارت لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن عون «قرر فتح ملف السباق الرئاسي قبل أربع سنوات، خلافاً للأصول المتعارف عليها في معركة الانتخابات الرئاسية». وبرأي المصادر النيابية فإن «كلام الرئيس زاد من تعقيدات الملف الحكومي، وأدى إلى خلق عراقيل جديدة، بالاستناد إلى ما نقل عن الثنائي الشيعي (حركة «أمل» وحزب الله)، وقولهما (صمتنا لن يطول حيال تأخر تشكيل الحكومة)».

وسألت المصادر النيابية: «هل يبشرنا رئيس الجمهورية بتعطيل الدولة إلى حين تأليف حكومة على قياس جبران باسيل؟، وإذا لم تؤلف حكومة قريباً هل يعني تعطيل الدولة لأربع سنوات إلى حين ضمان وصول باسيل إلى رئاسة الجمهورية، كما تعطلت ثلاث سنوات إلى حين مجيء عون رئيساً؟».