ليس خافياً على أحد سعي الوزير جبران باسيل إلى الحصول على الثلث المعطِّل داخل الحكومة، وهي من أبرز العقد التي لا يتمّ الحديث عنها كثيراً، ولكنّ السؤال الأساس في أيّ إطار يندرج هذا السعي، وما هي أهدافه وخلفياته؟
 

يملك رئيس الحكومة منفرداً حق وقف عمل مجلس الوزراء، وبالتالي هو ليس بحاجة إلى ثلث معطِّل، لأنّ اعتكافه كفيل وحده بشلّ الحكومة وتجميد عملها، وهذه الصلاحية تمنحه ورقة قوة كبرى تجعل من أخصامه يحسبون ألف حساب لعدم دفعه إلى خطوة من هذا النوع، وبالتالي من يسعى لإثارة الملفات الخلافية من قبيل إحياء العلاقة مع النظام السوري، عليه ان يتوقع في حال تمادى في هذا الاتجاه أن يلجأ رئيس الحكومة، ولو مضطرّاً، إلى الاعتكاف من أجل وقف هذه المحاولة وإفهام الجميع انّ هناك خطوطاً حمراً ممنوع تجاوزها.

وفي موازاة هذا الواقع، وبمعزل عمّا يقال علناً، فإنّ كواليس المفاوضات تكشف عن سعي جدي للوزير باسيل من أجل الحصول على الثلث المعطِّل على قاعدة الجمع بين حصة رئيس الجمهورية وحصة تكتل «لبنان القوي»، وما التشدد في رفض إعطاء «القوات اللبنانية» أكثر من 3 وزراء سوى دليل على رغبة هذا الفريق في انتزاع ١١ وزيراً +٣ لـ«القوات» +١ لـ«المردة»، وهي تشكّل مجتمعة الحصة المسيحية من حكومة ثلاثينية.

وإذا كان باسيل يسعى بكلّ ما أوتي من قوة إلى انتزاع الثلث المعطِّل، فإنه من المفيد البحث عن الخلفيات والأهداف التي تدفعه في هذا الاتجاه:

أولاً، عندما تحدث الرئيس ميشال عون مراراً وتكراراً عن انّ حكومة العهد الأولى ستكون بعد الانتخابات، فإنه توقّع بالتأكيد تشكيل غالبية نيابية مسيحية تتيح له بارتياح الحصول على أكثر من الثلث المعطّل في الحكومة من أجل ان يتحكم بمفاصلها وقراراتها، ولكن آخر ما كان يتوقعه الوزير باسيل ان تحقق «القوات اللبنانية» النتيجة التي حققتها وتحول دون قدرته على التحكم بغالبية المقاعد الوزارية المسيحية.

ثانياً، ينظر باسيل إلى حكومة العهد الثانية الى أنها الحكومة الأخيرة مبدئياً والتي ستشرف على الانتخابات النيابية في العام ٢٠٢٢ وربما الرئاسية، وبالتالي يريد ان يكون في موقع من يعطِّل او يزكّي اي توجه سياسي نيابي ورئاسي.

ثالثاً، حرصه على تأمين الثلث المعطِّل من دون الحاجة إلى اي طرف آخر تحسّباً لكل الاحتمالات والفرضيات، وفي ظل شعور لديه انّ بعض التوجهات والخيارات قد لا تحظى بالتأييد الذي يطمح إليه.

رابعاً، تجربة الحكومة الأولى في عهد الرئيس عون لم تكن مشجعة بالنسبة إلى الوزير باسيل، وتحديداً في ملف بواخر الكهرباء مع تقاطع 5 كتل وزارية ضد هذا الملف («حزب الله» والإشتراكي والقوات وأمل والمردة)، فشعر بوجود حاجة إلى الثلث ليضمن تمرير او إسقاط اي مشروع لا يريده من دون الحاجة إلى أي كتلة وزارية أخرى.

خامساً، يعتبر باسيل انّ الثلث المعطِّل يعطيه ورقة قوة مزدوجة: في وجه رئيس الحكومة بما يمكِّنه من وقف عمل مجلس الوزراء في حال عدم موافقته على ملفات محددة، وفي وجه القوى الأخرى مجتمعة في حال تقاطعت على ملفات محددة.

سادساً، يعتبر باسيل انّ الثلث المعطِّل والتذرّع بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية يمنحه القدرة على تحجيم القوى المسيحية الوازنة، فعندما ينتزع ١١ وزيراً يصبح تمثيل القوى الأخرى هامشياً، فيأتي على حساب تلك القوى من دون احترام قواعد التوازن ونتائج الانتخابات. وقوة رئيس الجمهورية لا تكون بتحجيم الآخرين، إنما متأتية من حجم تمثيله الشعبي والنيابي وتعاونه مع القوى السياسية الأخرى.

والرئيس عون لم ينتخب رئيساً إلّا بعد شراكته مع معراب، وهذه الشراكة التي لم يحترمها الوزير باسيل ويريد التخلُّص منها من طرف واحد، كانت كفيلة بتعزيز موقع الرئيس ودوره، وكان يفترض بباسيل أن ينطلق من تجربة الانتخابات الرئاسية ليحصِّن الشراكة بدلاً من الإطاحة بها، فيما لا يستطيع منفرداً ان يؤمن ما يمكنه تأمينه عن طريق الشراكة.

وطالما الشيء بالشيء يذكر، فإنّ أحداً لا يستطيع التشكيك بالحيثية التمثيلية للرئيس نبيه بري، ولكن قوة بري متأتية من تمثيله ومن دعم «حزب الله» له، وما ينطبق على بري ينسحب على عون الذي لا أحد يشكك بحيثيته التمثيلية، ولكن دعم «القوات» له يجعله في موقع أفضل وأقوى.

وانطلاقاً من كل ما تقدّم، فإنّ للثلث المعطِّل أكثر من وظيفة وهدف: إحتكار التمثيل الوزاري المسيحي، انتزاع حق الفيتو لأسباب عدة: في مواجهة رئيس الحكومة، تعطيل اي تقاطع وزاري على ملف محدد، التهيئة للانتخابات النيابية والرئاسية من موقع الإمساك بقرار مجلس الوزراء، عدم حاجته للتعاون مع أي طرف سياسي...

ومن الواضح انّ هدف الوزير باسيل بالحصول على الثلث المعطِّل لا يحظى بتأييد اي فريق سياسي لأربعة أسباب أساسية:

السبب الأول نتيجة الممارسة السياسية في حكومة العهد الأولى، والتي «نجحت» في جمع القوى المختلفة والمتعارضة من اجل قطع الطريق على بعض الملفات على غرار بواخر الكهرباء.

السبب الثاني بفعل تولُّد قناعة انّ هدفه سلطوي بامتياز، وانه لا يتردد في استخدام أو إشهار الفيتو عند كل منعطف لاعتبارات شعبوية او تكوينية.

السبب الثالث يتّصل بدقة المرحلة واستحقاقاتها وكون الحكومة قد تخدم وتعمّر طويلاً، وبالتالي لا مصلحة لأحد بتمكين فريق واحد من تزكية اتجاه معين أو تعطيله.

السبب الرابع يرتبط بكون «حزب الله» يريد من هذه الحالة ان تبقى بحاجة إليه ومرتبطة به، فضلاً عن انّ بعض اتجاهاتها في حكومة العهد الأولى خلقت لديه بعض علامات الاستفهام، كما انه لن يعطي باسيل ما لم ينتزعه لنفسه...