هناك تبدّلاً في الظروف والحسابات التي حكمت تأليف الحكومة الأولى بعد التسوية الرئاسية والتي تتحكّم بتأليف الحكومة الثانية في العهد
 

الكلام الذي يُقال في العلن كذلك في الكلام المستتر: لا شيء يفتح الطريق المملوء بالعوائق أمام ولادة الحكومة. ولا أحد يبدو قادرا على تفكيك العقد المعلنة المربوطة بعقدة أكبر تدفع الأطراف المعنية بالتأليف إلى تبادل الممانعة لما يطرحه كل طرف من تصور. فما على السطح هو الاجماع على حكومة وحدة وطنية تعكس نتائج الانتخابات. وفي العمق هو الخلاف على الوظيفة السياسية للتركيبة المطلوبة في هذه الحكومة، وعلى موقع لبنان في الصراع الجيوسياسي الدائر في المنطقة وعليها والذي مركزه سوريا. 

 

ذلك أن هناك تبدّلاً في الظروف والحسابات التي حكمت تأليف الحكومة الأولى بعد التسوية الرئاسية والتي تتحكّم بتأليف الحكومة الثانية في العهد. والرئيس المكلّف سعد الحريري يبدو ممانعاً لتضييق الخيار أمامه بين مقاربتين تقودان الى الأهداف نفسها: واحدة هي حالياً مهمة مستحيلة اسمها تأليف حكومة أكثرية ، وأخرى هي مهمة صعبة عنوانها حكومة وحدة وطنية تضم عملياً نوعاً من حكومة غلبة. 

 

إقرأ أيضا : تذكير بمآثر الوزير باسيل غداة إقرار صفقة المليار ومئتي مليون دولار

 

 

وأقصى الأماني أن يعود لبنان إلى أيام كانت الأكثرية تحكم والأقلية تعارض. لكن هذه العودة تحتاج إلى استعادة اللعبة الديمقراطية بكل قواعدها التي تخلينا عنها بالتطبيق الانتقائي والسيّئ للطائف أيام الوصاية وبعدها: التنافس في الانتخابات الرئاسية بدل المرشح الوحيد المفروض أو المتفق عليه والذي لا انتخاب إن لم يكن النجاح مضمونا له. خوض الانتخابات النيابية على أساس برامج وتوجّهات سياسية ضمن تحالفات لخط سياسي واحد، بحيث تخرج من صناديق الاقتراع أكثرية وأقلية، وليس على أساس تحالفات هجينة ومبتدعة وغير معقولة كما حدث في الانتخابات الأخيرة التي ليس في نتائجها أكثرية ومعارضة واضحتان، ثم العودة الى التعدّدية داخل الطوائف والمذاهب بدل الأحاديات الحالية، والتخلّي عن نظرية إعطاء كل السلطة للأقوياء في طوائفهم، والتي جعلتنا أسرى خيارات ضيّقة جدا بحيث يصعب الخروج من أي مأزق ندخل فيه. أما حكومة غلبة ضمن حكومة وحدة وطنية، فانها مسألة سياسية بامتياز محلية أولا واقليمية ودولية ثانيا، لا مجرد سلطة للسلطة على طريقة الفن للفن. 

 

إقرأ أيضا : بيان حركة أمل شرف أقبح من ذنب

 

 

فالأهداف المحلية المطلوبة منها ولها متعلقة بمعارك وطموحات وبعض التقديمات والمعالجة لقضايا الناس. والأهداف التي طابعها اقليمي ودولي يمكن اختصارها بأخذ لبنان الى المحور المنتصر في سوريا والعراق، وبالتالي تثبيت انعكاس التحولات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة على تكوين السلطة في لبنان. 

 

ولا أحد يجهل الوصفة الطبيعية لتأليف حكومة وضمان المظلة الدولية ومعها العناية بالاقتصاد والأمن في لبنان: التوازن لا الإلتحاق بأوزان الآخرين.