دولة بهيبتها وسطوتها وجبروتها لا تستطيع أن تفرض رُسو باخرة كهربائية (أي ليست بارجة حربية) رغماً عن إرادة رئيس بلدية أو مسؤول حزبي أو زعيم مافيا مولدات الكهرباء
 

في حادثة رُسُوّ باخرة الكهرباء "المجانية" بين الجنوب وكسروان-جبيل، حيث تواترت الأخبار عن ممانعة قوى الأمر الواقع لتواجدها في الزهراني أولاً وفي منطقة الجية ثانياً، في الأولى قيل أنّ رئيس بلدية الغازية ومن ورائه بعض القيادات النافذة في حركة أمل هم من أعاقوا رُسُوّ الباخرة، وفي منطقة الجية كان يتطلّب موافقة الزعيم وليد جنبلاط، وهذا ما لم يحصل، وهكذا قرّر معالي وزير الطاقة بعد اجتماعه مع نواب كسروان نقل الباخرة إلى منطقة الذُّوق لتُغذّي منطقتهم بالكهرباء على مدار الساعة.

 

والنتيجة أنّ أهل الجنوب غاضبون، لا لحرمانهم مزيداً من ساعات التغذية، فهم قد اعتادوا على "العتمة" والحرمان، ألم يُطلق عليهم الإمام المغيب السيد موسى الصدر لقب "المحرومين" وأنشأ لهم حركة خاصّة دُعيت فيما بعد حركة أمل، إنّما غضبُهم ينصبّ على بعض قادة الثنائية الشيعية، وخاصةً النواب منهم، ذلك أنّ تجديد البيعة لهم لم يجفّ حبرُهُ بعد، وهم مصدومون من رفض استقبال هدية ساقها الله لهم، ربما مكافأةً على تضحيتهم وصبرهم وإيمانهم، وزاد الطين بلّةً، أنّ المسؤولين "الشيعة" لم يتطوّع واحدٌ منهم لشرح ملابسات هذه الحادثة الغامضة، بل راحوا يُصدرون بيانات وتصاريح متضاربة زادت الأمر سوءاً على سوء، ولعل أبرزها وأشنعها افتخار بيان لحركة أمل يفتخر بطرد الباخرة التي كانت ستُسبّب للجنوب مخاطر ومهالك عدّة لعلّ أهونها تلوُّث البيئة، وكأنّ البيئة نظيفة في طول البلاد وعرضها في عهدهم.

اقرا ايضا : النائب الياس أبو صعب ينفي مكرُمة التبرّع لحزب الله بريع حفلتي جوليا بطرس

 

 

إلاّ أنّ أخطر ما كشفتهُ هذه الحادثة العابرة بعد تصفُّح مجرياتها، أنّه لم يتنبّه أحدٌ إلى خطورة غياب الدولة الكامل بأجهزتها العسكرية والأمنية والقضائية، دولة بهيبتها وسطوتها وجبروتها لا تستطيع أن تفرض رُسو باخرة كهربائية (أي ليست بارجة حربية) رغماً عن إرادة رئيس بلدية أو مسؤول حزبي أو زعيم مافيا مولدات الكهرباء.

 

هذه الدولة مع مسؤوليها، كباراً وصغاراً، أقل ما يجب أن يُقال لها في مثل هذه الحالة ما تقوله العامة: "تروح طّم حالها" أي تطمر حالها وهي حيّةٌ تُبعث.