يبقى الأشدّ استغراباً في زيارة باسيل لعين التينة هو إستقبال بري له
 

من أعاجيب الطبقة السياسية التي تحكمنا هذه الأيام تهاجيها بأقذع الأوصاف والنُّعوت، ورميهم بعضهم البعض بالفجور والفساد والخيانة والعمالة، والأدهى من كلّ ذلك، أنّ هذه الكبائر والخطايا والمخازي بالقول والفعل مُوثّقة في شرائط الفيديو ومعروضة للملأ، ومع ذلك يذهب أصحابها للتّبرؤ منها والعودة عنها بأيسر الأساليب وأتفه الحُجج، من ذلك ما يعرض من خطابات ومواقف حادّة للجنرال ميشال عون، وقد عاد عنها عندما تسلّم رئاسة الجمهورية،  وتبنّى بعضاً مّما كان قد استقبحه واستنكره  قبل ذلك، ويُضاهيه في ذلك كلٌّ من الرئيس نبيه بري والوزير وليد جنبلاط، وعددٌ كبير من السياسيين وقادة الأحزاب والإعلام. 

إلاّ أنّ ما كان فاقعاً في الآونة الأخيرة وفاضحاً هو هجوم الوزير جبران باسيل على الرئيس نبيه بري خلال المعركة الإنتخابية ووصفه ب"البلطجي"، وما أعقب ذلك من ردّات فعلٍ عنيفة كادت تودي إلى إشعال فتنة طائفية، ليُفاجأ الجميع خلال اليومين الماضيين بمسارعة الوزير باسيل لزيارة الرئيس بري في عرينه في عين التينة، بوساطة ومباركة نائب رئيس المجلس النيابي السيد إيلي الفرزلي، هذا الذي كان قد نعته الجنرال عون ذات يوم بأقذع النعوت خلال برنامج حواري لفيصل القاسم على قناة الجزيرة.

يبقى الأشدّ استغراباً في زيارة باسيل لعين التينة، ليس قيام الضيف باسيل بهذه البادرة، فقد اعتاد المواطنون على مواقف باسيل الارتجالية والانفعالية والوصولية، إنّما جاء الاستغراب من استقبال بري له، ضارباً صفحاً عن الإساءات الشّنيعة التي وُجّهت له على رؤوس الأشهاد، وغداً قد يأتي من يعُدّها من فضائل الرئيس بري ونباهته ونُبله وصفحه، كدأبنا معشر العرب في تحسين القبيح وتقبيح الحسن.

إقرأ أيضًا: الرئيس عون للحريري: أراك تُقدّمُ رجلاً وتُؤخّرُ أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيّهما شئت

من تحسين القبيح قول الحارث بن هشام (وهو أخو عمرو بن هشام الملقب بأبي جهل) يعتذر من فراره يوم بدر:

الله أعلمُ ما تركتُ قتالهم

حتى رموا مهري بأشقر مزبد

وعلمتُ أنّي إن أُقاتل واحداً

أُقتل ولا يضرُر عدُوّي مشهدي

فصدفتُ عنهم والأحبةُ فيهمُ 

طمعاً لهم بعقاب يومٍ مرصد.

وهذا الذي سمعهُ صاحبُ رُتبيل فقال: يا معشر العرب، حسّنتُم كلّ شيء، فحسُن حتى الفرار.

ومن تحسين القبيح أنّه قيل لجُذيمة الأبرص: ما هذا الوضح الذي بك؟ قال: سيف الله الذي جلاه.

ومن تقبيح الحسن، قول بشار العقيلي في سليمان بن علي، وكان وصل رجُلاً فأحسن :

يا سوأةً يُكثر الشيطان ما ذُكرت 

منها التّعجُّب جاءت من سُليمانا 

لا تعجبنّ لخيرٍ زلّ عن يده 

فكوكبُ النّحس يسقي الأرض أحياناً.