في تصويرٍ ميلودرامي مؤلم، وبيئة بيوقراطية حادّة، يتنقل قلمُ الكاتب نجيب الكيلاني بخفّة متناهية، بين شوارع تركستان وحواريها الجميلة، ويبدأ ببطل الرواية مصطفى حارس القصر في مدينة «قومول» عام 1930، الذي يعشق الجارية «نجمة الليل»، ولكنها تصدّه حيناً وتقرّبه إليها في معظم الأحيان.
 

الحبكة تركّز على الغزو الغاشم للصين لهذه المقاطعة والقوانين الصارمة التي سنّتها وجارت فيها وطبّقتها بأسلوبٍ استعبادي بحت، ولم يكتفِ المحتلّ بهذا، بل اقترح أن يتمّ تزويج المسلمة بالجندي الصيني ولو بالقوّة، ويتجاسر القائد الصيني، ويطلب يد إبنة الأمير لنفسه، وعندما يرفض يودعه السجن.

زواج غاشم
هنا يجتمع مشايخ المدينة، يترأسهم القائد خوجة نياز مع أمير المدينة، ليقنعوه بضرورة ادّعائه بقبول هذا الزواج الغاشم. وبعد أن يتمّ تحضير مراسم الزفاف، يحاصر أهل المدينة والثائرون القصر ويقومون بقتل القائد الصيني وأسر كل الجنود المرافقين له. وهنا تبدأ الثورة الحقيقية.


سرعان ما تنطلق شرارة الغضب والحقد، فيلجأ الثائرون، ومن بينهم مصطفى، نحو الجبل، ليحاربوا من هناك، وذلك من خلال تسلّلهم ليلاً إلى المدينة للقيام بعملية فدائية أو التنكيل بالأعداء. لكنّ الأمور تتدهور كالبارقة بسرعة جهنّمية، فتتحالف الصين مع روسيا وتداهم البلاد بشراسة، ويتشرّد كثيرون في جنون الحصار والقتل والتشرّد. وتضطرّ نجمة الليل الى أن تتزوّج وتهرب مع ضابط صيني بعد أن يهدّدها بأخذها عنوة، ولكنها تنتقم منه لاحقاً بقتله وتعود إلى مصطفى ليتزوّجها.


تحتدم المعارك بين الروس والصين من جهة، والمسلمين من جهة أخرى خاصة في «أورومجي»، ويقبض الأعداء على القائد خوجة نياز والجنرال شريف وتتم تصفيتهم.

تصوير دقيق
التصوير الدقيق للمشاهد المأساوية الدراماتيكية في الحرب، تشغل الحيّز الأكبر في كلّ ركنٍ من الحدث، وتشكّل العصارة الأكثر انهماراً للأحداث. وبهذا يجمع الكاتب بين الطرق الدراماتيكية والسردية في روايته، في حوارٍ ضمني مع الذات ومع الضمائر الغائبة والمتكلمة، ويتسبّب للقارئ بموجة من الحقد العنيف على أعداء كردستان والنهاية المأساوية التي ألحقت بأبطال الثورة هناك.


يذكّرنا الراوي بأسلوب «كافكا» الذي يتّخذ من التحوّل شراعاً له، ويرتسم ذلك بالبعد العاطفي والمادي في تحليله وتنقيبه في النواحي الإنسانية والإجتماعية للمكان والزمان والإنسان على حدّ سواء.


التصويب الحدثي مفقودٌ في الرواية إلى حدّ ما، بحيث يركّز الكاتب فقط على النواحي المأساوية في الأحداث ولا يعالجها بشكلٍ تقني، ولا يركن للتطوّر بل للتدهور فيها. وهذا لا يعني بأن الكاتب يستخدم أسلوب المغالاة أو التعميم، بل إنه يحترق داخلياً من الوجع ويعكسه في الورق، كمرآة شاهدة على ما يؤول إليه حال الأوطان المهزومة والمعذّبة، وقد نسي بأنّه مفتاح الرواية، وعلى الكاتب أن يجرّد نفسه من أحاسيسه الذاتية فور دخوله إلى جوّ القصة مهما كانت تعني له، حتى لا يقع في شرك التعاطف والتعاطي مع كلّ التحليلات ومفاصل الأحداث فيها بشكلٍ ذاتي أو آلي.

متهوّر في مشاعره
الكاتب نجيب الكيلاني ليس كاتباً سياسياً أو اجتماعياً باحثاً، بل يتهوّر في مشاعره ليكتب حكاية لفظها قانون الاستعمار، وهو نفسه في كلّ بلد ومكان، يكرّر حكايته الآثمة بمرارة شعب فقد صبره، بعد أن شبع من الهزيمة والظلم وأعلن التمرّد والاستنكار.


وقد صوّر الكاتب مشاهد عنيفة من عمق الحرب الكردستانية ودعمها بالشواهد والشهود، وكان متحفّزاً للخوض في غمار الحرب من بعيد، ولكنّه لم يقدم على أيّ تطوير سردي أو تلقائية أدبية، صوّر الحرب والوطن المُحتل والمُحتل الخانع للحقد وحب السيطرة، ووضع جام اهتمامه بنقل الصورة كما تراها عينه وكما يشعر بها في قلبه.