هل المخفي في السجالات بيننا هو الصراع بين من يرفض ومن يريد أن يصبح لبنان إيران أخرى أو سوريا أخرى؟
 

لا جديد في عملية تشكيل الحكومة. الآمال معلّقة على اللقاء الذي من المفترض أن يعقد بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، ولكنها ليست كبيرة وفق المعطيات المتوفرة. 

كل الأجواء الإيجابية التي شاعت بعد لقاء الحريري مع الرئيس ميشال عون، كانت مجرد توقعات وتمنيات، لأن عون أحال الحريري إلى باسيل الذي عاد إلى لبنان قبل أيام، ومرّر رسائل متعددة، توحي بأنه غير مستعد للتنازل عن الشروط التي فرضها، وتقضي بتحجيم القوات اللبنانية ومحاصرتها، وتدخّله في شأن الساحة الدرزية. ومما سرّبه باسيل، بأن ليس لديه أي شيء جديد ليقدمه، أو ليقوله للحريري، لا بل إنه ينتظر من الحريري أن يحمل جديداً، في المقابل، وبعدما برزت معلومات عن استعداد رئيس الجمهورية الموافقة على 4 وزارات للقوات، فإن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أشار لوزير الإعلام ملحم الرياشي وهو الموكل بملف التفاوض بشأن التشكيلة الحكومية، بأن يوقف عملية التفاوض إذا ما عرض على القوات 4 وزارات بدون حقيبة سيادية أو منصب نائب رئيس الحكومة، وللإستعاضة عن هذين المنصبين، فإن القوات تطالب بخمسة وزراء. وهذا يستند إلى الحسبة التي أراد باسيل نفسه إرسائها. 

حتى الآن كل المعطيات تشير إلى أنَّ عملية التشكيل عادت إلى المربع الأول في ظل التعثر المتمادي، وفي ظل انقطاع سبل التواصل بين أكثر من طرف معني بعملية التشكيل. بهذا المعنى فإنَّ القطار الحكومي متوقف منذ الأسبوع الفائت، بعد لقاءات القصر الجمهوري بين الرؤساء الثلاثة، على هامش زيارة الموفد الروسي المعني بملف النازحين، ومنذ ذلك التاريخ لم يتحرّك الملف من مكانه. فإلى متى ستستمر لعبة عضّ الأصابع؟

إقرأ أيضًا: تفاؤل حذر حول تشكيل الحكومة العتيدة

في البداية ارتكب البعض خطأ ويبدو أنه كان مقصوداً: وزير لكل أربعة نواب في حكومة ثلاثينية أوسع من حكومة أميركا.  وكأن المفروض معيار واحد مطلوب تطبيقه حسابياً من دون إنتقاء ولا استثناء. معيار يصلح لتأليف مجالس إدارة شركات، لا لتأليف حكومات. وكلما تعثر التطبيق، وهو أمر بديهي، تكرّر الاصرار على المعيار نفسه تحت عنوان وحدة المعايير. والكل يعرف أن اللعبة الحسابية الباردة هي لعبة سلطوية حامية يراد منها ما هو أبعد من تمثيل القوى المحلية. لا بل تعطى شمولية التمثيل طابع المحاصصة بين الأحزاب والكتل البرلمانية الحقيقية والمصطنعة، من دون أي اعتبار لإمتناع نصف اللبنانيين عن الإقتراع في موقف هو إقتراع سلبي ضدّ الطبقة السياسية، ومن دون حساب لأهل الفكر والعلم والعمل في المجتمع خارج العصبيات. 

إن الصراع على الأعداد في مجلس الوزراء هو صراع على السياسة. لكن الأول معلن والثاني مكتوم. وليس أمراً قليل الدلالات، تركيز الجدل والسجالات على الأوزان والأحجام والمعايير وتبادل الاتهامات حول المماطلة وهيمنة القوة في غياب الكلام السياسي الجدّي وحديث البرامج المطلوبة من الحكومة. فلا نحن، وسط سباق المعايير، تفاهمنا على معايير لسياستنا الداخلية والخارجية قبل تأليف الحكومة، ولا نحن نجحنا حتى في اللعبة التقليدية في لبنان، وهي تأليف حكومة ثم القتال على برنامجها وسياستها.

واذا كانت العقد داخلية، كما يكرر المعنيون بالتأليف، فإن أمّ العقد سياسية خارجية، لجهة السياسات المطلوبة من لبنان في صراع المحاور الاقليمية والدولية. واذا كان الظاهر في الحوار الدائر بين أميركا وروسيا واسرائيل ودول عربية هو الحؤول دون أن تصبح سوريا لبنان آخر، فهل المخفي في السجالات بيننا هو الصراع بين من يرفض ومن يريد أن يصبح لبنان إيران أخرى أو سوريا أخرى؟ وهل الأولوية هي لمعالجة قضايا اللبنانيين ومواجهة تحديات لبنان الاقتصادية والمالية والاجتماعية، أم لانقاذ الرهانات الاقليمية؟ 

لا أحد يصدّق أن تأليف حكومة للبنان لم يعد ممكنا من دون مماحكات تستغرق شهورا. حتى تأليف حكومة للعهد الحالي وتخدم الطموحات للعهد المقبل، فإنه ليس مهمة صعبة حين تحسب التركيبة السياسية أننا في منطقة رمال متحركة ومتغيرات. لكن المهمة المستحيلة هي تأليف حكومة لإيران وسوريا والسعودية وأميركا وروسيا وفرنسا.