حركة المشاورات لتذليل العقبات التي تؤخّر ولادة الحكومة مجمدة، وكل المؤشرات تدل على أن لا حكومة في المدى المنظور وتصريف الأعمال مستمر حتى إشعار آخر، ويخطئ من يحمل الرئيس المكلف أو القوات اللبنانية أو الحزب التقدمي الاشتراكي مسؤولية التأخير، فالأول وضع في عهدة رئيس الجمهورية تشكيلتين بدل تشكيلة واحدة راعى في كل واحدة، وحدة المعايير بناء على ما أفرزته الانتخابات النيابية من جهة وما تقتضيه حكومة الوحدة الوطنية من توازن داخلها وعدم طغيان فريق على حساب الفريق الآخر من خلال حصوله على الثلث المعطل وامساكه بكل قرارات مجلس الوزراء، والثاني أي القوات اللبنانية التزمت بهذا المعيار وذهبت إلى أبعد من ذلك لتسهيل ولادة حكومة العهد الأولى حرصاً منها على العهد وضرورة إنجاحه، اما بالنسبة إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، فما يطالب به هو حق من حقوقه التي أفرزتها نتائج الانتخابات النيابية ولا يجوز ان يتنازل عن هذا الحق ما دام أن كل الأفرقاء متفقين على اعتماد نتائج الانتخابات النيابية المعيار الذي يُبنى عليه توزيع الحصص الوزارية على المكونات الأساسية، علما بأن هذه المعايير التي يتمسك بها البعض هي بدعة لا أسس دستورية لها مثلها مثل بدعة أن يكون لرئيس الجمهورية، المفترض انه مؤتمن على تطبيق الدستور حصة في الحكومة.


وما دامت الأمور أصبحت واضحة بهذا الشكل فمن المسؤول، إذن عن العرقلة ووضع العصي في طريق الرئيس المكلف، ومن المسؤول بالتالي عن تأخير ولادة الحكومة، والدفع في اتجاه الدخول في أزمة سياسية مفتوحة في الوقت الذي يجمع الداخل والخارج، والصديق على مدى حاجة لبنان إلى حكومة وحدة وطنية في ظروف داخلية واقليمية ودولية بالغة الدقة، وفي وقت يتطلب وجود مثل هذه الحكومة لمساعدة العهد وانقاذه من الضائقة الاقتصادية التي بلغت مرحلة من التردي تستدعي معالجة قيصرية سريعة.


واقع الحال يحمّل التيار الوطني الحر ورئيسه وزير الخارجية الداعمين للعهد مسؤولية الوصول إلى هذا المنزلق الخطر الذي وصل إليه العهد نتيجة اصرارهما على الاستئثار بالحكم من خلال الإمساك بقرارات مجلس الوزراء من جهة والتلاعب بالمعايير التي يجب اعتمادها لقيام حكومة الوحدة الوطنية التي يُمكن ان تشكّل خشبة الانقاذ للعهد من جهة ثانية، وبتعبير أكثر وضوحاً فالتيار ورئيسه ما زالا يصران على اقصاء القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي لكي يتفردا وحدهما وحلفاؤهما حزب الله وفريق الممانعة بالحكومة العتيدة، أي بالسلطة الاجرائية التي تدير الشأن العام سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، الأمر الذي يرفضه الرئيس المكلف وهذا من حقه لأن أي اختلال في التوازنات الداخلية يعرض الوطن لمخاطر جمّة. فالمطلوب إذاً بعض التواضع من جانب التيار الوطني الحر لتسهيل مهمة الرئيس المكلف وإلا فإن أزمة التأليف ستكون طويلة، وسيكون العهد هو الخاسر الأكبر.