دخل ملفّ النزوح السوري مرحلة جديدة بعد الإتفاق الأميركي- الروسي في 16 تموز الماضي، في وقت سارع لبنان لاستغلال هذه الفرصة النادرة من أجل التخلّص من الأزمة المزمنة التي ضربته.
 

يترقّب لبنان الرسمي والشعبي مفاعيل الاتفاق الأميركي- الروسي، ويجري الإتصالات اللازمة لهذا الغرض، في حين أنّ الوزارات والمؤسسات المعنية بالملفّ، باستثناء الأمن العام اللبناني، ما تزال في غيبوبة وكأننا في اليوم الأول من وقوع الكارثة، وهي تتّكِل على جني ثمار الإتفاق، ويغيب عن بالها أنّ العودة التي تقرّرت تحتاج الى خطوات عملية ومتابعة لوجستيّة على الأرض تواكبها، وإلّا ستكون عودة منقوصة.


ومن جهة ثانية، لا يمكن لوم الدولة اللبنانية المقصّرة أصلاً وتحميلها كل المسؤولية لأنّ الأزمة السورية هي أكبر من الجميع، فيما كانت هناك دول تصنّف سابقاً بأنها كبرى لا تعلم ماذا يجري، ولم تَطّلع حتى الساعة على تفاصيل الاتفاق الأميركي- الروسي.


وتراقب فرنسا الوضع القائم، وخصوصاً مرحلة ما بعد الإتفاق. وفي السياق، تؤكّد مصادر دبلوماسية مطّلعة على الموقف الفرنسي لـ«الجمهورية» أنّ باريس ما تزال تدرس بنود الاتفاق الروسي- الاميركي الناتج عن قمة هلسنكي لترى كيفية تطبيقه والخطة التي ستنتج عنه.


وتشدّد المصادر على أنّ باريس ما تزال حتى الساعة تشكّك بصدق النوايا الأميركية من الإتفاق، خصوصاً فيما خصّ عودة النازحين. ويردّد بعض المسؤولين الفرنسيين أنهم لا يصدّقون أنّ الأميركيين سيبذلون المجهود الكافي من أجل إنجاح الإتفاق وتسهيل عودة النازحين الى ديارهم».


ويعود عدم الثقة الفرنسية هذه بالأميركيين حسب المصارد الدبلوماسية الى عوامل عدّة، أبرزها أنّ التجارب السابقة معهم لا تشجّع، وخصوصاً فيما يتعلّق بالأزمات اللبنانية المتتالية.


كذلك، فإنّ الأميركيين يهمّهم، حسب وجهة نظر باريس، مصالحهم في العالم ومنطقة الشرق الأوسط، وتلك المصالح مؤمّنة في الشرق الى حدّ ما، فلبنان بات واقعاً تحت النفوذ الأميركي، والروس لن يقتربوا منه أو يطمحوا بأن يكون منطقة نفوذ لهم. وفي العراق وسوريا واليمن ما تزال المعارك مستمرة لكنها لا تجري عكس ما يشتهي الأميركيون، بل هناك «ستاتيكو» قائم. أمّا النقطة الأهم فهي أمن إسرائيل وهذه النقطة مؤمنة باتفاق الدول الكبرى كافة، ولا يستطيع أحد تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة وتهديد أمن تل أبيب.


لكن ما يثير ريبة باريس هو سياسة الرئيس دونالد ترامب الصدامية، وهذا الأمر لا يسمح له ببناء تفاهمات أو الذهاب الى اتفاقات تطبّق سريعاً، لذلك ما تزال باريس متريّثة من إعطاء موقف من الإتفاق، خصوصاً انّ أزمة النازحين هي «سيف مسلّط على رقاب الأوروبيين. وبالتالي، فإنّ ترامب «الصدامي» لا يريد لـ«القارة العجوز» أن ترتاح حالياً.


ومن جهة ثانية، فإنّ باريس تدرس بجديّة عودتها الفاعلة الى المنطقة، وهذه العودة يراها الرئيس ايمانيول ماكرون ضرورية، ولها مدخل أساسي هو لبنان. لذلك، فإنّ ماكرون الذي يبني علاقات جيدة مع الأميركيين، يراهن أيضاً على علاقاته مع الروس الذين استحوذوا على كل عقود النفط والغاز في سوريا.


ويطمح ماكرون للدخول على خط الغاز السوري مع الشركات الروسية، فيما دخلت الشركات الفرنسية الى الإستثمار النفطي في لبنان عبر «توتال» من خلال تحالف الشركات النفطية الثلاث الايطالية والروسية والفرنسية، التي فازت بعقود التنقيب عن الغاز في البحر.


لا شكّ أنّ عودة النازحين وحل الملفّ سيريحان أوروبا عموماً، وفرنسا خصوصاً، لأنهما ورقة ضاغطة عليهما خصوصاً انّ شواطئ البحر المتوسط تعجّ بآلاف المهاجرين يومياً الذين يطمحون بالوصول الى أوروبا، لكنّ اللافت للانتباه أنّ الأوروبيين كانوا في أجواء مغايرة لجو الإتفاق الروسي- الأميركي.


فزيارات المسؤولين الأوروبيين الكبار، وآخرهم المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، كانت تركز على إبقاء النازحين في لبنان ودول الجوار ودعم المجتمعات المضيفة، إلى أن أتى القرار الكبير بعودتهم علماً أن «الأوروبيين كانوا في كوكب آخر».