على مدى أيام تمّ التحضير لاحتفال عيد الجيش غداً في الفياضية في حضور الرؤساء االثلاثة، من دون الأخذ في الاعتبار أيّ طارئ من خارج السياق كولادة الحكومة في اللحظات الأخيرة.
 

في الأيام الماضية عمّم القصر الجمهوري، و«بيت الوسط»، بثّ مناخات التفاؤل الى حدّ التبشير بإمكانية ولادة الحكومة قبل عيد الجيش. ولكن في الكواليس المغلقة كانت الأجواء تُنذر بالأسوأ.


يقف الرئيس سعد الحريري غداً الى يسار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بصفته رئيساً مكلّفاً ورئيس حكومة تصريف أعمال، في موقع العاجز عن التأليف بعد مرور شهرين وأسبوع على التكليف. خلفه 29 وزيراً، أقلّ من ثلثهم حجز مُبكراً عودته الى صفوف حكومة العهد الثانية، والبقية تتوزّع بين مَن يستعدّ للعودة الى المنزل، وبين مَن يبقى مصيرُه معلّقاً بيد أصحاب القرار.


مفارقة كبيرة تحكم هذا المشهد. في مهلة ثلاثة أسابيع فقط يقدّم الحريري إستقالته من الحكومة من الرياض، يتحوّل بعدها القصر الجمهوري «غرفة عمليات» تستنفر عواصم دول العالم على رأسها فرنسا، ينتقل الحريري من الرياض الى باريس ثمّ القاهرة فقبرص ليغطّ صباح 22 تشرين الثاني 2017 في بيروت، ويتوجّه موكبُه مباشرة نحو جادة شفيق الوزان للمشاركة في حضور العرض العسكري لمناسبة عيد الاستقلال. في مدّة ثلاثة أسابيع فقط يكتب للحريري عمراً سياسياً جديداً يتهدّده اليوم، بعد ثمانية أشهر على قطوع الرياض، «خطر» إحالة مبكرة للحريري مرة أخرى على التقاعد!

يبدو اليوم، وأصعب ربما من «نكسة» الاستقالة المفاجئة.


الملفت أنّ نظريّتين متناقضتين تحكمان هذا الواقع: الأولى تحمّل الحريري مسؤولية «تعطيل» ولادة حكومته لمجرد عدم الحسم و«إنتظار كلمة السر». يذهب مروّجو هذه النظرية الى الحدّ الأقصى بقراءة المشهد عبر القول «ثمّة دولة خليجية تعمل ليل نهار لإسقاط عهد ميشال عون باكراً، وحكومة الحريري هي الممرّ الإلزامي لهذا المخطّط». الثانية تحمّل عون وباسيل مسؤولية تكبيل الرئيس المكلّف وصولاً الى خيار إزاحته ودفعه الى الاعتذار»!


غداً، لن يطول إحتفال عيد الجيش كثيراً. عدد الضباط المتخرّجين الذين سيتولّى رئيس الجمهورية تقليدَهم السيوف هو 35 ضابطاً فقط، فيما بلغ العدد العام الماضي 226 ضابطاً. لكنّ الوقت سيكون كافياً للقاء عابر على الواقف بين الحريري وباسيل كـ «بدل ضائع» عن لقاء منتظر بين الرجلين يجزم كثيرون بأنّ حصوله قد لا يشكّل بالضرورة مفتاحاً لولادة الحكومة طالما أنّ السقوف العالية لا تزال تتحكّم بمسار التأليف.


وفق المعلومات، العلاقة بين باسيل والحريري ليست بالسوء الذي يصوّره البعض. صحيح أنّ اللقاء العلني بينهما صار حدَثاً في حدّ ذاته، وأنّ التواصل لا يشبه أبداً بدايات «التنسيق والتعاون» لتكريس التسوية الرئاسية، لكن غالباً ما يرنّ هاتف وزير الخارجية ليكون الحريري على الخط الآخر. تماماً كما يمكن أن يبادر باسيل الى الاتّصال حين يرى ضرورة لذلك، كما يتبادل الرجلان، وفق معارفهما، رسائل مختصرة عبر الـ»واتساب».


ما يحدث عملياً، أنّ باسيل وخلال زيارته لواشنطن تلقّى باستياء تكريس «جوٍّ معادٍ» يكاد يُحمِّله وحده مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة، وهذا ما دفعه عند العودة الى إطلاق موقف واضح «قلنا ما لدينا، وصلاحية التأليف لدى رئيس الحكومة المكلّف».


إستمرّ المناخ السلبي، وفق مصادر باسيل، بتحويل خطابه في اليمونة شروطاً مفروضة على الآخرين، بالتأكيد أنّ «وزراتي الطاقة والخارجية ستبقيان من حصة تكتل «لبنان القوي»، فيما أخرج الكلام عن سياقه لأنّ المطلوب كان إرسال رسالة بنيّة «التكتل» في حال بقاء الوزارتين معه الى تعيين فادي قمير «سفيراً فوق العادة لديبلوماسية المياه»، مؤكدين أنّ باسيل «لا يسعى الى حكومة أكثرية».


يضيف قريبون من باسيل «لقد إستمع الحريري الى مطالبنا، ومطالب «الحزب التقدمي الاشتراكي» و»القوات اللبنانية». بات لديه كل «الداتا»، فليبادر ويقترح».


يجزم هؤلاء بأنّ «اللقاء مع الحريري يمكن أن يحصل في أيّ لحظة، وباسيل جاهز دوماً حين يطلب الرئيس المكلف الاجتماع به. لكن لا فائدة من التنقل وقطع مسافات من أجل إجتماع محكوم سلفاً بأنه سينتهي بلا نتيجة».


يبدو لافتاً تأكيد قريبين من باسيل «أنّ الحريري لم يبلغنا حتى الآن المعيار الذي اعتمده في توزيع الحصص والذي ترجم في المسودة و»ملحقاتها» التي عرضها أمام رئيس الجمهورية خلال لقائه الأخير به». لكنّ مطّلعين يجزمون بأنّ موقف باسيل لا يعكس سوى التضارب في الاتجاهات الذي كرّسه لقاء بعبدا، وروّج الحريري بعدها أنّ «الأمور آيلة الى مزيد من الإيجابية».