يقول الإمام علي: «لو وجدتُ مؤمناً على فاحشة لسترتُه بثوبي»، ويقول السيّد يسوع المسيح: «مَن منكم بلا خطيئة فليَرجمها بحجر»... وأمّا بالنسبة للملحِدين، فيقول سيغموند فرويد: «مَن يحبّ يصبح متواضعاً. وأولئك الذين يحبّون، رَهنوا جزءًا من نرجسيتهم»...
 

بعدما قال شكسبير «أن نكون أو لا نكون»، دبَّت العزيمة في صدور الرجال الشرقيين، وقالوا «أن تكون دكراً أو عمرَك ما تكون»، ويكاد لا يمرّ يوم إلّا ونسمع بجريمة ضحيتُها امرأة، وفضيحة ضحيتُها امرأة، ونزوة ضحيتُها امرأة، وعلاقة غرام غير مكتملة ضحيتها امرأة... وكأنّ المرأة في بلادنا تُجاهد حتى تكون ضحية فقط لا غير!


منذ بضعة أيام انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي قصّة حب وخيانة وانتقام بين لارا وعزيز، وتمّت معالجتُها بشكل غرائزي وسطحي على مختلف المواقع، وكان الأغلبية غير مكترثين... ولكن عندما تقصَّدَ عزيز إهمال دروسِه الجامعية وواجباته الاجتماعية وتكريسَ وقتِه لتحضير أطروحة PDF يَهتك فيها شرفَ الفتاة التي «حبّها» يوماً ما بعدما خانته، أحسَسنا بأننا أصبحنا متورّطين في القضية التي لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد... ولكن «الدكر» المغروم والمخدوع بالخيانة قرّر أن يجعل قصّته الشخصية قضية رأيٍ عام، وحاوَل مسحَ أرضِ الوطن بشرف الفتاة، وهو يفتل عضلاته أمام مرآة غرفته ليؤكّد لفرشته الظاهرة في خلفية الصورة أنّه رجل، ولا شكّ في أنّه انتظر اليوم التالي ليدور على أصحابه في الحيّ والجامعة ليتباهى بما أنجَزه، ويقهقِه مع الذين يشبهونه كيف يحقّ لهم كرجال شرقيين أن يغتصبوا شرفَ فتاةٍ أزعجَت كبرياءَهم.


جريمة الشرف ليس بالضرورة أن تكون فيها دماء وموت، فكم من جريمة تكون فيها دموع وإحباط... كم من لارا تضمّ ركبتيها إلى صدرها وتبكي وحيدةً على فرشتها، كم من لارا تصمّ أذنَيها حتى لا تسمع صدى ضحكات المنتقِمين من شرفها بأرخص السبلِ وعلى أتفهِ الأسباب، كم من لارا تسقط ضحية جريمةِ شرفٍ وهي على قيد الحياة. كم أختٍ وأمٍ وصديقة تصبح لارا فقط لأنّنا مقصّرون في محاربة فِكر عزيز.


عزيز ليس رَجلاً، بل صورة رجل، صورة رجال، صورة مجتمع ذكوري لا يفهم من الحب سوى النرجسية، ولا يرى في الشريكة إلّا خادمةً لنزواته وشهوته وحده... خادمة مسؤولة عن مشاعره واحتياجاته وأهوائه وفانتازماته، وتمّ استملاكها بعَقدٍ يبيعها فيه «حبّ مرتجع» وتعطيه هي كلَّ ما تملك، من عذريتها إلى حرّيتها.


الرَجل يخون والمرأة تخون، والعلاقات تنتهي والحب يَذبل، ولا يبقى من العشّاق إلّا قليلٌ من الكرامة يصرفونها في العلاقة التالية... لكنّ الخيانة لا تأتي بدون سبب من الشريك، ولأنّ الحبّ تضحية، والتضحية ألم، والألم درس، والدرس تقَدُّم، فلا بدّ من أن نتعلّم من الحبّ بقدر ما نتعلّم من الخيانة حتى نصبح شركاءَ أفضَل.


خطورةُ قصّةِ عزيز ليست فيه كشخص، وإنّما في تجسيده لشريحةٍ كبيرة من مجتمعنا الذي يَسترخص بحرّيةٍ المرأةَ، ويُنَصِّب نفسَه وصيّاً على أخلاقها... والأخطر في قصّته هو دراستُه الطبَّ في إحدى الجامعات المرموقة، والأبوابُ التي تفتحها هذه المعادلة على المؤسسات التعليمية التي تجتهد في تعليم التلاميذ دروس الكتاب وليس دروس الحياة، وإذا كان من المفروض أن تنجحَ هذه العيّنة من الشباب اللبناني وتصبح يوماً ما أطبّاء، فما هي العلاقة التي ستنسجها مع المرضى، وكيف ستتعامل مع مصاعب العمل، وما النصيحة التي ستعطيها لفتاةٍ مغتصَبة مثلاً أو شابٍّ محبَط من خيانة، هل ستطلِق العنان لوحشيتها الغرامية مع مرضاها أيضاً وتعمِّم منطقَ الثأر بسبب قُبلة... وإذا كان لا بدّ لعزيز أن يصبح طبيباً، فلا يجوز أن يكون أكثرَ من طبيب شرعي يتعامل مع الجثثِ بشكل حصريّ.


يقول الإمام علي: «لو وجدتُ مؤمناً على فاحشة لسترتُه بثوبي»، ويقول السيّد يسوع المسيح: «مَن منكم بلا خطيئة فليَرجمها بحجر»... وأمّا بالنسبة للملحِدين، فيقول سيغموند فرويد: «مَن يحبّ يصبح متواضعاً. وأولئك الذين يحبّون، رَهنوا جزءًا من نرجسيتهم»...


لكن من ينتقم على طريقة عزيز لم يعرف الحبّ في حياته ولا تخلّى لحظةً عن نرجسيته، وليس مستغرباً أن يتعرّض للخيانة من لا يعرف الحبّ... فلا شكّ في أنه كان السبب.