رغم ما بين الحزبين من مشتركات مازالت التجربة المرّة تُباعد بين حزب الله والقوّات ولم تفلح خطوات الإعتدال في بناء جسر من العلاقة المطلوبة لتصحيح الخلل التاريخي
 

بعض التجارب الحزبية تشبه بعضها في كثير من العناوين ولكن أن تكون نسخة واحدة فهذا يعني أن عناصر التأسيس الحزبي متشابهة وهنا لا نتحدث عن الأطر الحزبية وما فيها من تراتبات وتوزيع لمهام و أدوار داخل الهيكل التنظيمي باعتبار الشكل الحزبي آلية واحدة وتتبعها الأحزاب على اختلاف تلاوينها و إن طرأ مفهوم آخر للعمل الحزبي في نظامه الغربي .

ما يهمنا هنا هو المقارنة التي لا يتقبلها الجمهور الحزبي أو المقاربة التي قد تخفّف من حدّة جمهور متعصب و أعمى البصر والبصيرة خاصة وأن حزب الله المتأسّس على خلفية دينية إسلامية لا على برنامج سياسي يجهد لتحقيقه قد دمغ بداياته بدمغة التطرف والارهاب كما صنفه الله في كتابه .... ترهبون به عدوكم وعدو الله- وكما فهمه الغرب على أنه إرهاب وقد وضع على اللوائح الخاصة بالأحزاب الارهابية . كونه حزباً فاتحاً للدولة الاسلامية باعتبارها الحلّ الأوحد لمشاكل البلاد والعباد .

رفع حزب الله القرآن في كل مراحله الأولى وقبيل الحصول على ما يجعل منه حزباً قائداً لمرحلة سياسية ذات أبعاد إقليمية وكان إسلامياً بالمعنى الإيديولوجي وهذا ما جعله عدواً لبيئته قبل بيئات الآخرين واستثناءً في التجربة الحزبية اللبنانية التي تبنّت أفكاراً قومية تحررية وماركسية ثورية و أخرى مسيحية شوفينية  ومن ثم انتهت بها نتائج الحرب الأهلية الى تجارب طائفية متمسكة بالتعايش لصالح بقاء النظام الطائفي .

وجه المقاومة في حزب الله جعله قريباً من الآخرين أصدقاء و أعداء لهويته الاسلامية وفرض عليهم هضم أفكاره كأبعاد استراتيجية يحملها الايديولوجيون في سلالهم السياسية بحيث تصبح في آخر السلّ وتبرز سياسات مرنة على سطح سلال الأحزاب الايديولوجية .

هذا الانتقال السريع من الايديولوجية الصارمة والصادمة الى السياسة المرنة نتيجة الدور الطليعي الذي يلعبه الحزب في مرحلة من مراحل نضاله السياسي يؤكد على هبوط منسوب العقيدة في مرحلة الصعود السياسي وارتفاع مستوى منسوب المصالح بطريقة نقيضة لمرحلة التأسيس القائم على القرآن بالنسبة لحزب الله والصليب بالنسبة للقوّات اللبنانية .

كان حزب الله مقاوماً ضدّ المحتل الاسرائيلي كما كان حزب القوّات اللبنانية مقاوماً ضدّ المقاومة الفلسطينية التي آمن المسيحيون بها للخلاص من سيطرة منظمة التحرير على لبنان وقد اعتبروها أداة احتلال وكان للأول ظهير إقليمي سنده طيلة رحلة المقاومة الشاقة والصعبة ضدّ العدو وكان للثاني ظهائر وفرّت له الأسانيد اللازمة لمقاومته وقد شكّلا كلا الحزبين مقاومة صارمة وتنظيماً حديدياً لم تشهد الأحزاب اللبنانية والفلسطينية على كثرتها مثيلاً .

بعد التحرير بدأ حزب الله حزباً جديداً لا علاقة له بحزب الله التأسيسي خاصة مع بروز دوره المذهبي الذي ألغى بعده الإسلامي وجعل منه صورة طبق الأصل عن الأحزاب الطائفية وهنا عاد حزب الله الى حركة أمل في فهم السياسة وتبعاً لرؤية مؤسس الشيعية السياسية السيد موسى الصدر واتباعاً مباشراً لسياسات الرئيس نبيه بري لفقدان قيادة الحزب لفنّ السياسة .

بعد خروج قائد القوّات اللبنانية سمير جعجع من السجن ترك صليبه الذي حمله كخشبة خلاص للمسيحيين وتخلى عن المشروع الفئوي وصحّح سياسته باتجاه التعاطي الصحيح لبناء الدولة العادلة والتي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات وهنا كانت القوّات حزباً جديداً برتبة حزب وطني بامتياز بعد أن كان حزباّ  مسيحياً متطرفاً .

رغم ما بين الحزبين من مشتركات مازالت التجربة المرّة تُباعد بين حزب الله والقوّات ولم تفلح خطوات الإعتدال في بناء جسر من العلاقة المطلوبة لتصحيح الخلل التاريخي ويبدو أن بقاء القوّات في مقاومتها لدور حزب الله المسيطر على استراتيجيات السلطة في لبنان وعدم إتباعها لطرق الاعتراف بمنطق قوة السيطرة التي يفرضها حزب الله هي المعوّق الأساس لقيام علاقة ودية بين حزبين متشابهين في التجربة التي أخرجتهما من ضيق التطرف إلى سعة الاعتدال .