يستمتع رئيس مجلس النواب نبيه بري عادة بخوض مبارزات تفاوضية مع المسؤولين الدوليين الذين يوفدون الى لبنان. وهو لا يتردد في ان يصدمهم بصراحته وصولاً الى الاستعانة بـ«أظافره» السياسية إذا اقتضت الحاجة، خصوصاً عندما يضبط انحياز زوّاره الى جانب اسرائيل بـ«الجرم المشهود».
 

يستمتع رئيس مجلس النواب نبيه بري عادة بخوض مبارزات تفاوضية مع المسؤولين الدوليين الذين يوفدون الى لبنان. وهو لا يتردد في ان يصدمهم بصراحته وصولاً الى الاستعانة بـ«أظافره» السياسية إذا اقتضت الحاجة، خصوصاً عندما يضبط انحياز زوّاره الى جانب اسرائيل بـ«الجرم المشهود».
ويبدو أنّ بري قرر أخيراً «تلقين» بعض الموظفين الدوليين المنتدبين من الامم المتحدة الى لبنان درساً قاسياً في أصول التعاطي معه، مرفقاً بعقوبة غير قابلة للاستئناف وهي منع ممثلة الأمم المتحدة في لبنان بيرنيل دايلر كاردل وقائد القوات الدولية (اليونيفيل) المنتهية ولايته الإيرلندي مايكل بيري من دخول عين التينة، حيث أنه رفض إعطاءهما موعداً للقائه بسبب استيائه الشديد من «تجاوزاتهما النافرة».


ويكشف بري عن انّ ممثلة الامم المتحدة في لبنان طلبت موعداً للقائه «لكنني رفضت الاجتماع بها والأرجح أنني لن استقبلها مجدداً»، مضيفاً: «لقد شطّبت عليها ووضعت «X» على اسمها». ويشير الى انّ هذه المسؤولة الدولية «تجاوزت حدودها في سلوكها، وهي بالتالي أساءت الى الامم المتحدة ودورها قبل ان تُسيء الى لبنان». ويتابع: «عندما التقيتُ بها قبل فترة شعرت بأنها تتماهى مع السياسة الاسرائيلة على حساب حقوقنا وحدودنا، فلفتّ انتباهها الى انها كانت قد التزمت أن تواصل سياسة سيغريد كاغ التي كانت تشغل المنصب قبلها، الا انها أنكرت الامر، فقلت لها انه لا يوجد تسجيل صوتي يثبت صحة كلامي لكن في العادة الامور المفصلية التي تهمّني أسَجّلها في رأسي، وأنا واثق في انك قدّمت التزاماً من هذا النوع أمامنا».


وأمام ثبات بري على موقفه، أبلغت اليه كاردل انها ستتصل بكاغ لتتشاور معها في الامر وتتأكد من الواقعة التي يتكلم عنها بري. وعندما زارت كاغ لبنان لاحقاً بصفتها وزيرة للخارجية الهولندية، سألها رئيس المجلس عمّا إذا كانت كاردل قد اتصلت بها، فأجابته أنّ ذلك لم يحصل، ما عزّز ارتيابه في نيّات كاردل.


ويشير بري الى انّ المسؤولة الاممية «خالفت الاصول الديبلوماسية والحقائق الموضوعية عندما راحت تجول على شخصيات لبنانية، وتحمّلني امامها مسؤولية تعطيل الحل للنزاع الحدودي مع كيان الاحتلال الاسرائيلي»، مشيراً الى انه كان يعرف بمحتوى مداولاتها مع تلك الشخصيات «والمَنحى العدائي الذي تعتمده ضدي».


وإزاء تجاوزات كاردل، فكّر بري في ان يطلب رسمياً إقالتها وسحبها من لبنان، لكنه عَدل فيما بعد عن هذه الفكرة حتى لا يُتهم بأنه يقود لبنان الى مواجهة مع الامم المتحدة والمجتمع الدولي.


ولاحقاً، استدعيت كاردل الى نيويورك للبحث معها في الاعتراضات اللبنانية على تصرفاتها ومواقفها، ثم عادت بـ«لوك» جديد، كان من معالمه سعيها الى تصحيح مسار العلاقة مع بري، والحصول على موعد للقائه وترميم الثقة المتصدعة بينهما، إلّا انّ رئيس المجلس المُتحسّس منها كان قد حسم أمره: «لا مكان بعد الآن لكاردل في عين التينة».


وفي السياق نفسه، يكشف بري عن انّ قائد القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) مايكل بيري طلب أخيراً موعداً للقائه، في اطار زياراته الوداعية للمسؤولين اللبنانيين قبَيل مغادرته منصبه نهائياً، تمهيداً لتعيين أحد الضباط الايطاليين الكبار مكانه، غير انّ رئيس المجلس رفض ان يجتمع به ايضاً.


ويقول بري انّ موقفه «القاطع والحازم» من بيري يعود الى كون الاخير قد شارك في احتفال كيان الاحتلال الاسرائيلي بما يسمّى «استقلاله» او»عيده الوطني». ويضيف: «لم يكتف بيري بهذا فقط، بل أنه غرّد على «تويتر» مهنّئاً اسرائيل بهذه المناسبة، مُتجاهلاً انه قائد «اليونيفيل» في لبنان، وانّ هذا الدور يُحتّم عليه سلوكاً مغايراً ومراعاة موقعه ومشاعر اللبنانيين الذين دفعوا أثماناً كبيرة جرّاء عدوانية الاحتلال الاسرائيلي وحروبه».


ويشير بري الى انه كان هناك تفاهم بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري على انّ الجنرال الايطالي «هو أفضل من يمكن ان يحلّ مكان بيري».


ويستنتج بري من تجربته مع كاردل وبيري وآخرين «انّ بعض الموظفين الدوليين يتصرفون بتعجرف وفوقية عندما يأتون في مهمات الى لبنان، وكأنهم أقوى وأهم من المسؤولين اللبنانيين. وبالتالي، يفترضون انهم يستطيعون في أي لحظة زيارة الرؤساء أو الوزراء، وانهم سيحصلون على مواعيد فورية بمجرد ان يطلبوها، لكنهم أخطأوا في حساباتهم معي، لأنّ هذا السلوك لا يسري علي، وبالنسبة إليّ فإنّ كرامة لبنان تعلو عليهم جميعاً، ومش فارقة معي من يكونون ومن يمثّلون، لأنّني لا أحسب حساباً لأحد مهما علا شأنه أو صغر، عندما يتعلق الأمر بالمصالح العليا والشعور الوطني».


ويختم بري قائلاً: «مقياس علاقتي مع الموظفين او الموفدين الدوليين ينطلق من طبيعة نظرتهم الى عدوي الاسرائيلي، وعلى هذا الأساس أُحدّد خياراتي».