ما يجب أن ينتبّه له اللبنانيون وكل المعنيين بهذا الملف، هو الخطوات السريعة التي بدأت لوضعها المبادرة على سكة التطبيق العملي
 

لبنان يقترب من نهاية ملف النازحين السوريين، لكن يجب انتظار بعض الوقت لبلوغ هذا الهدف، ربما بعد أسابيع وربما بعد أشهر.
يؤكد على ذلك سفير دولة اوروبية، مواكب المبادرة الروسية لإعادة النازحين، ويقول: ما يجب أن ينتبّه له اللبنانيون وكل المعنيين بهذا الملف، هو الخطوات السريعة التي بدأت لوضعها المبادرة على سكة التطبيق العملي.


في اعتقاد السفير أنّ المبادرة قد تُقرأ في جانب منها على أنها مؤشر الى اقتراب الأزمة السورية من خط نهايتها. إلّا أنها في الوقت نفسه تكتسي أهمية كبرى:

- اولاً، لناحية مضمونها وهدفها الذي من شأنه إن تحقق أن يزيح ثقل النازحين عن كاهل ما يزيد عن اربعين دولة تستضيف اكثر من سبعة ملايين نازح تركوا سوريا منذ اندلاع الأزمة، ومن بينها لبنان الذي يُعتبر اكثر الدول استضافةً للنازحين بما يزيد عن مليوني نازح.

- ثانياً، لناحية توقيتها، الذي تلا مباشرة قمّة هلسنكي بين الرئيسين الاميركي والروسي. والذي يعكس بأنّ هذه المبادرة هي واحدة من التفاهمات التي تمّت بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.


يقول السفير الأوروبي «على الرغم من السرّية التي تحاط بها نتائج هلسنكي، فثمّة معطيات لدى أصدقاء الدولتين العظميين، بأنهما توصّلا إلى سلة تفاهمات، سواءٌ حول ما يتصل بالعلاقة الثنائية ونقاط دولية ساخنة، ونحن سمعنا تلميحات اميركية حول رغبة واشنطن بالتخلّي عمّا تعتبره «الصداع» التي يتأتّى من الأزمة السورية.


ويلاحظ السفير «أنّ تقدّماً بدأ يرتسم بوتيرة سريعة على سطح المبادرة، ومن تعبيراته التجاوب الأردني معها. وكذلك التلقّف اللبناني الإيجابي لها. ويقول: نعرف أنّ ثمّة انقساماً لبنانياً حول النظرة إلى النازحين واختلافاً حول كيفية إعادتهم، لقد أبلغني أحد كبار المسؤولين اللبنانيين أنّ لبنان بكل فئاته لا يستطيع إلّا أن يكون مع كل مبادرة لإتاحة عبء النازحين عنه. الانقسام السياسي حول النازحين هو جزء من الفولكلور الخلافي اللبناني، الذي ينتهي مفعوله في المحطات المصيرية. وملف النازحين واحد من تلك المحطات التي سيتبلور حولها إجماع لبناني في نهاية الامر. ولا احد يستطيع أن يكون خارج هذا الإجماع الحتمي.


يقول السفير إنه أُعجب بما سمعه من المسؤول اللبناني الكبير حول الإجماع الحتمي. وفي معرض هذا الاعجاب قال: يوصَف اللبنانيون بأنهم كالبوصلة والمرآة العاكسة، وحديثهم اليوم عن اهمية الإجماع حول امر يفتح الباب امام مغادرة النازحين لبنان، نقرأه كمؤشر الى تلمّسهم وجود غطاء دولي وكذلك إقليمي لحلّ هذا الأمر والإجماع حوله. واللبنانيون يعرفون قبل غيرهم، ونحن نعرف ايضاً أنّ تبايناتهم أو توافقاتهم الداخلية هي في الكثير من الاحيان انعكاس لتباينات أو تفاهمات خارجية.


وأبرز ما في الصورة التي يرسمها السفير نفسه قوله: «لديّ رأي شخصي، ولا أسوّق موقفاً رسمياً، بحسب قراءتي اعتقد انّ الغرب بشكل عام، لا يستطيع إلّا أن يكون مع المبادرة الروسية، نعرف حجم الإرباك والمشكلات التي سبّبوها في العديد من الدول الاوروبية، والمبادرة بإعادتهم تريح دول الغرب وتزيل هاجس الخوف من تفاقم أعدادهم اكثر فيها، وتزايد الخطر من القنابل البشرية التي باتت تهدّد المجتمعات الغربية».


وهنا يدعو السفير الى لحظ «التعاون غير المسبوق بين روسيا وفرنسا في شأن تقديم مساعدات إنسانية إلى النازحين، وخصوصاً نازحي غوطة دمشق، وكذلك لحظ المناخ الدولي، الذي يتفاعل برضى على المبادرة الروسية ومعنى ذلك انّ هذه المبادرة معدّة بعناية ودقة شديدتين. وليس في الإمكان إبعادها ابداً عن قمّة هلسنكي، التي شهدت في بعض محطاتها اقتراحاتٍ حول تنظيم عودة اللاجئين الى الاماكن التي كانوا يعيشون فيها قبل النزاع، وخصوصاً من لبنان والأردن.


هذه الصورة تؤكّدها مصادر مطلعة على خلفية المبادرة الروسية، وتقول إنّ الأمور ما زالت حالياً في اطار العملية الاستطلاعية من قبل الجانب الروسي، وهذا يتطلّب جهداً كبيراً خصوصاً على المستوى المعلوماتي وصولاً الى تحديد العدد الحقيقي للنازحين، والتفريق بين مَن هو نازح لأسباب سياسية أو أمنية وبين نازح لأسباب اقتصادية أو غير ذلك. وبالتأكيد إنّ هذا الأمر سيتطلّب بعض الوقت.


المصادر نفسها تقرأ في المبادرة بعداً آخر، يعكس أنّ كل العالم بدأ يتعامل مع الأزمة السورية من خلفية أنّ التسوية ستتمّ إن عاجلاً أو آجلاً، ويبدو أنّ التطورات الاخيرة قد فرضت إعادة تقييم على كافة القوى الخارجية، إعادة تقييم مقاربتها للملف السوري، خصوصاً أنّ المسألة ستنتقل الى حقل إعادة إعمار سوريا، التي يتطلّع الكل إلى الحصول على حصته فيها. وبالتأكيد أنّ لبنان سيكون أوّل المستفيدين.