إنّ حالات الطلاق في لبنان تشهدُ معدّلات خياليّة قلّما نقرأها في دولة أخرى، والإرتفاع مُستمرّ في الأرقام من دون تراجُع
 

قد لا ينتظرُ الطلاق بضعة أسابيع ليقع.. فسرعان ما تتبدّل الأمور بالنسبة إلى البعض بشطبة قلم فتُمحى الوعود وتَسقط العهود  حتى يُصبح الطلاق أسهل من الحياة المُشتركة.

ولمن لايدري، فإنّ حالات الطلاق في لبنان تشهدُ معدّلات خياليّة قلّما نقرأها في دولة أخرى، والإرتفاع مُستمرّ في الأرقام من دون تراجُع. فبعد أن كان مُعدّلها السنوي في الأعوام المُنصرمة نحو 7000 حالة، إرتفعت في العام 2017 إلى 8580 حالة أيّ بزيادة نسبتها 22.5 في المئة.

وبحسب بعض الدراسات التي نُشرت، ففي الشمال وصلت حالات الطلاق إلى ذروتها، حيث يُسجَّل 1840 حالة وفي العاصمة بيروت يبلغ 1486 حالة. أمّا في البقاع، تتفاجأ بعدد المطلّقين الذي تعدّى الـ1400، والأمر عينه في جبل لبنان حيث يُسجَّل 1348 حالة طلاق. فيما تأتي النبطية ولبنان الجنوبي في المرتبتين الأخيرتين تدريجياً مع 1270 و1231 حالة.

يُضاف إلى هذه الأرقام أخرى أكبر بكثير عن حالات الطلاق غير المنفّذة أو التي تنظر فيها المحاكم الروحيّة، بالإضافة إلى حالات الإنفصال بالتراضي، إمّا بهجر المنزل الزوجي المُشترك أوّ بالعيش تحت سقفٍ واحد من دون الإلتزام بالحياة الزوجيّة.

أسباب مُتعدّدة تُسبّب نسبة إرتفاع الطلاق في لبنان وأهمّها غياب ثقافة الحقوق والواجبات والظروف الإقتصاديّة والإجتماعيّة التي يعيشها اللّبنانيّ غير غلاء السكن، ومن ناحية أخرى صعوبة وإنعدام لغة التواصل بين الزوجين إلى جانب تغلغل مواقع التواصل  في البيوت وتسببها في برود بالعلاقات.

إقرأ أيضًا: السياحة في خطر... والسبب؟

لاشكّ أنّ الفقر يؤدّي إلى تعثّر العلاقات الزوجيّة ويُدخل الزواج في دوامة المُشكلات والخلافات لأسباب مادّيّة، فإنّ إستقلاليّة المرأة الإقتصاديّة تجعلها تصطدم بالنزعة الذكوريّة للزوج الذي يشعر بتهاوي سلطته ونفوذه عليها.

وهناك حالات طلاق مرتفعة بين الزوجين في السنة الأولى، حيثُ أنهما يصطدمان بواقع الحياة وبالمسؤوليّات وواجبات الحياة الزوجيّة فتنقلب لحظات الحبّ إلى إتّهامات متبادلة بتقصير الواحد في حقّ الطرف الآخر، كما أنّ عدم القدرة على التكيّف وغياب التفاهم وتدخلات الأهل من جهة، والخيانة من جهة أخرى هم عوامل تؤدّي إلى الطلاق.

وفي غياب ثقافة مجتمعيّة تُعرّف الشاب والفتاة على حدٍّ سواء بحقوقهما وواجبتهما قبل الزواج، يدعو الخبراء إلى سنّ قوانين تفرضُ دورات تدريبيّة للمقبلين على الزواج من أجل فهم الواجبات والحقوق والإدارة المالية وتربية الأبناء، فمثل هذه الخطوات، ستُساهم في تخفيف الكثير من الُمشكلات بعد الزواج وبالتالي  تراجع في معدلات الطلاق.

ويرى علماء الإجتماع أنّ المؤسّسة الزوجيّة في لبنان تمرّ بمرحلة إضطراب، ويطالبون رجال الدين، والمجتمع المدنيّ بعقد مؤتمرات ومُحاضرات لتوعية الأزواج ودفعهم على العودة إلى التلاحم الأسري.

ومِمّا يَحدّ من مشكلة الطلاق، نشر الوعي المجتمعي بعواقب الطلاق وأضراره، وما ينتج عنه من تشتيت للأسرة، وإنعكاسات سلبيّة على الأبناء، فقد كشفت دراسة خاصّة بصندوق الزواج، ما يصيب الأبناء جراء الطلاق من الحزن والعزلة والعدوانيّة، وتراجع المستوى الدراسي، وإضطرابات النوم والإكتئاب، وهنا، يأتي دور المثقفين والمصلحين الأسريين والإعلاميين، بالتركيز على هذه القضايا، ونشر الوعي، لتعزيز الإستقرار الأسري في المجتمع.

كما ننصح المقبلين على الزواج، بحسن إختيار الشريك، ثقافيّاً وماديّاً وإجتماعياًّ، وأن يعلموا أنّ الحياة الزوجيّة حقوق وواجبات، وأنّ يتحمّلوا مسؤوليتهم على أكمل وجه، ليبنوا حياة أسريّة سعيدة.