في حمأة التطوّرات المتعلقة بالمبادرة الروسية الخاصة بإعادة النازحين إلى بلادهم، وعلى وقعِ أزمة تأليف الحكومة، يطلّ مرسوم التجنيس العتيد مجدّداً من خلال ما نُقِل عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من أنّ المرسوم الخاص بتصحيح الأوّل وشطب الأسماء التي لا تستحقّ الجنسية بات قاب قوسين أو أدنى من الصدور. فما الذي يشير إليه رئيس الجمهورية؟ وما الذي قصَده؟
 

على مكتب رئيس الجمهورية كثير من الملفات العالقة بين المؤسسات الدستورية والتي لم تصل الى نهايتها الحتمية بعد. فعلى الرغم من انشغاله بالاتصالات الجارية لتذليل العقد التي تعوق ولادة الحكومة العتيدة الى اليوم، هناك ملف آخر فرَض نفسه على لائحة الأولويات، ويتصل بالتحضيرات الجارية لاستقبال الوفد الروسي الديبلوماسي والعسكري الرفيع المستوى الذي سيزور القصر الجمهوري اليوم ناقلاً الى عون رسالةً من نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول المبادرة الخاصة بإعادة النازحين السوريين من لبنان والأردن الى موطنهم، والآليات المقترحة لتحديد المراحل الواجب اعتمادها لتكون «عودة طوعية وآمنة» وفق ما تقول به القوانين والتفاهمات الأممية.

والى هذه الملفات الطارئة، كملفّ النازحين السوريين بموجب المبادرة الروسية، وتلك التي تتأرجح في شأنها المشاريع المتناقضة كملفّ تأليف الحكومة العتيدة وما يَحول دونها من عقبات محلية وخارجية مرشّحة للتفاعل في القريب العاجل، هناك ملف «المرسوم الخاص بتصحيح مرسوم التجنيس» الذي صدرَ في 12 أيار الماضي والذي تمّ تصحيحه وتنقيته من الشوائب عقب التقرير الذي اعدّه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والمعلومات التي جمعت حول ملفات العشرات ممّن شملهم المرسوم والذين لا يستحقّون الجنسية اللبنانية لأكثر من سبب، امنياً داخلياً أو خارجياً، أو أولئك الذين طاولتهم العقوبات الدولية والأممية على تنوّعِها.

لا يخفي عون امام زوّراه انّ المسؤولية في ما رافقَ إصدار المرسوم في شكلِه ومضمونه وتوقيتِه «متدرّجة»، وأنه عندما شعرَ بالمسؤولية اتّخذ قراره فاستدعى اللواء ابراهيم وكلّفه اعادة النظر في ملفات من شَملهم المرسوم ومنحَهم الجنسية، وذلك بغية تنقيته من الشوائب إنْ وجِدت. فالمديرية العامة للأمن العام هي المرجع الصالح بكلّ المقاييس القانونية والدستورية للتدقيق في المرسوم، ولديها مكتب خاص بـ»شؤون الجنسية» وما يملكه من معلومات يمكن ان لا تتوافر عند ايّ مؤسسة او إدارة أخرى، عدا عن شبكة إتصالاته الدولية الواسعة مع الحكومات والمؤسسات الأمنية المشابهة والمنظمات الأممية التي يمكنه من خلالها تقصّي المعلومات عن المشتبَه بهم وتحديد أحقّيتِهم بالحصول على الجنسية اللبنانية ام العكس.

ويضيف عون امام زوّاره انّ قراره بتجميد العمل بالمرسوم قد لا يكون قانونياً، فهو لم يرده قبل توقيعِه. ولكن في إمكانه تجميد المراحل التنفيذية او التريّث في تطبيقه في انتظار تقرير الأمن العام الذي سلّمت به مختلف المرجعيات السياسية والحزبية في البلاد وسَمحت بالمهلة القصيرة التي طلبَها اللواء ابرهيم لإعداد تقريره. فلو أحيلَت اليه ملفّات من منِحوا الجنسية قبل اصدار المرسوم لما وصلت الحال به الى تلك المرحلة.

فالظروف التي رافقت إثارة المرسوم كانت هي الأسوأ في توقيتها. إذ إنّ البلاد كانت تناقش مخاطرَ توطين النازحين السوريين بعد الفلسطينيين، وكانت المعارك مفتوحة على أشدّها مع المنظمات الأممية التي تتعاطى معهم على خلفية ما تضمّنته «إضبارة العودة» من اتّهام سيقَ إليها بعرقلة أو منعِ «العودة الطوعية والآمنة». فهي بما تضمَّنته قانوناً تلاقي وتتطابَق مع المواصفات الدولية والأممية حيال المخاطر التي يمكن أن يواجهَها النازح السوري أو أيّ نازح آخر يريد العودة الى موطنه، ولم توضع خصيصاً للسوريين وهم في طريقهم الى قريتهم او مدينتهم تحديداً، تحت ضغط ما قال به المرسوم الرقم 10 الذي دعاهم الى مراجعة «الأمن السياسي» قبل زيارة «الدوائر العقارية» للتثبتِ من ملكيتهم أراضيَهم قبل فقدانها وانتقالها ملكاً عاماً للدولة.

وإنْ ينسَ البعض فهو لا ينسى، أنّ الملف كان مفتوحاً على وقعِ الخلاف الكبير الناشب بين القوى الدولية والإقليمية المتنازعة على الساحة السورية والتي تناهض النظام أو تواليه. عدا عن انقسامهم بين دعوة النازحين للعودة الى المناطق الآمنة في سوريا قبل انتظار الحلول السياسية أو مِن دون بلوغ تلك المرحلة. فكلّ السيناريوهات التي تقود الى تقدّمِ الحلول السلمية للأزمة السورية على العسكرية منها لم تكن قابلة للتطبيق.

وإلى هذه المعطيات، التي تحكّمت بالملف، لا يبدو انّ رئيس الجمهورية مستعدّ لتجاهلِ مضمون تقرير الأمن العام، فهو من كلّفه المهمّة التي لم تكن لمجرّد إمرار الوقتِ واستيعاب تداعيات المرسوم أياً كانت، داخلية أم خارجية.

وفي رأي رئيس الجمهورية، أنّ لبنان الذي يناضل لتحسين علاقاته الخارجية وليستعيد موقعاً متقدّماً بين الأمم لن يفرّط بما بذل من مساعٍ لتعزيز علاقاته مع المؤسسات الدولية والحكومية التي تلاحق من سَمحت له الظروف بالحصول على الجنسية اللبنانية لتغطية مخالفةٍ ما أو للتهرّبِ من عقوبات فرِضت عليه. فالموضوع دقيق، في رأي عون، ولن يخالفَ القانون ولن يفرّط بما منحه إياه الدستور من صلاحيات لاستثمارها في مسائل من هذا الحجم. فموقفه واضح وصريح من قضايا التوطين والتجنيس ولم يخفِه يوماً منذ ان تعاطى السياسة.

وعليه، فإنّ رئيس الجمهورية كان مطمئناً الى الأسماء التي طرَحها لتنالَ الجنسية، فهم بمعظمهم ممّن يعرفهم شخصياً. وإنّ ما اقترحته «المؤسسة المارونية للانتشار» لها اكثر من مبرّر ليستيعد البعض جنسيته اللبنانية وإنّ ملفاتهم لا يرقى اليها الشك. امّا وقد شملَ المرسوم لوائحَ أخرى فقد كان من الضروري إعادة التدقيق فيها، وهو ما حصل.

وإلى توقّعِه بأنّ إصدار مرسوم تصحيح المرسوم الأوّل وشطب من لا يحقّ له اكتساب الجنسية أمرٌ لا بدّ منه، وهو بات قاب قوسين أو أدنى من الصدور، يُنقل عن عون تأكيده أنّ البعض ولو استفاد ممّا أعطاه إيّاه المرسوم من وثائق وإخراجات قيد فهُم ممّن لا تشملهم ملاحظات الأمن العام ولم ترِد أسماؤهم على لائحة غير المستحقّين.