منذ إعلان وزارة الخارجية الروسية عن إنشاء مراكز لإيواء اللاجئين السوريين وإعادتهم من المجتمعات المضيفة، أظهر الرئيس سعد الحريري اهتماماً استثنائياً بهذا الملف، وعمل على التواصل مع الروس عبر مستشاره جورج شعبان، الذي التقى نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لتشكيل لجنة مشتركة تبحث في سبل إنضاج الظروف وتوفير العودة الآمنة للاجئين إلى الأراضي السورية. وفي مقابل حماسة الحريري، لم تبد الخارجية اللبنانية أي موقف مؤيد للخطوة الروسية. وهذا ما يدفع بعض اللبنانيين إلى طرح العديد من التساؤلات حول غياب مواقف الوزير جبران باسيل عن هذا التطور، بينما سابقاً كان يجوب العالم معلناً ضرورة العمل على إخراج اللاجئين السوريين من لبنان.

ينظر لبنان بإيجابية إلى الخطوة الروسية، لكن البعض يعتبر أنها تحتاج إلى مزيد من الوقت من أجل أن تتبلور، وهي ستكون مرتبطة بمندرجات الحلّ السياسي السوري. ويقول مستشار الحريري نديم المنلا إن "هذا الملف وضع على السكة الصحيحة"، معتبراً أنه "بعد قمة هلسنكي، يمكن القول إن الخطوات العملية الأولى لعودة النازحين انطلقت بشكل جدي بعيداً من المبادرات الاستعراضية لبعض الأحزاب". ويشير إلى أننا "في صدد تشكيل لجنة لبنانية- روسية للتنسيق بهذا الخصوص، على أن يكون جهداً مشتركاً لبنانياً- روسياً، وعلى غرار الجهد الروسي- الأردني والروسي- التركي".

ويلفت المنلا إلى أن "موسكو ستلعب دور الضامن السياسي والأمني لعودة النازحين، وعلى النظام السوري أن يقدم لها الضمانات بعدم التعرض للمعارضين منهم، أو مصادرة أملاكهم أو الزامهم بالخدمة العسكرية. أما الشق اللوجستي فستتولاه الامم المتحدة". ويؤكد المنلا أن "التواصل مع الحكومة السورية سينحصر في الشق الأمني المحدد لهذا الغرض، أي الدور الحالي الذي يقوم به المدير العام للامن العام اللواء عباس إبراهيم".

وزير شؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال معين المرعبي يقول لـ"المدن" إن "الأمر واضح منذ البداية، وهو أن روسيا هي الضامنة لعودة اللاجئين ولا يمكن إعادتهم بدون رعاية دولية. وفي تشرين الأول 2017، كان قد بدأ هذا الحراك، وكنّا نعمل مع الروس بهدوء لإنجاز هذا الأمر، في الوقت الذي كان الوزير جبران باسيل يتخذ مواقف تصعيدية تجاه اللاجئين، بينما كان عليه عدم تناول الموضوع بطريقة غوغائية وعنصرية، وعليه انتظار مباحثات الحريري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين". ويجزم المرعبي أنه لا يمكن إعادة اللاجئين إلا وفق هذه الخطة التي تتضمن ضمانات أمنية، وتضمن كرامة اللاجئين وعودتهم إلى حياة كريمة. ويشير إلى أن ما يجري بحثه حالياً هو مدى تنفيذ الأمر بشكل جيد وبدون أي خروقات. وإذا ما حصل ذلك سيشجع مزيداً من اللاجئين على العودة.

ويقول المرعبي إنه مع اتضاح الخطة الروسية، "يبرز غباء البعض في لبنان إزاء تمنّعهم عن تسجيل اللاجئين وحفظ مستنداتهم وفق عملية ممنهجة لعرقلة عملية التسجيل منذ العام 2014. وفي ذلك الوقت جرى رفض تسجيلهم من قبل باسيل تحت شعار أن التسجيل سيؤدي إلى التوطين، بينما كان الهدف الحقيقي هو انتظار الوصول إلى هذه اللحظة، لتقديم كامل المستندات المطلوبة، التي تسهل خروجهم من لبنان إلى سوريا. أما الآن، بعد هذه العرقلة، فنحن نحتاج إلى أشهر عديدة لتجهيز المستندات الكاملة للاجئين وتوفير الظروف اللوجستية لعودتهم. وهذا التأخير يتحمّل مسؤوليته باسيل".

ويشير المرعبي إلى أن الأفكار التي يجري تداولها في الخطة تنص على إرجاع السوريين إلى مناطق سكنهم الأصلية. والمناطق التي يضمنها الأميركيون والروس والتي سيعود إليها اللاجئون هي مناطق واسعة جداً، تمتد من الحدود الشرقية لسوريا ومناطق في الجنوب، والمرحلة الثانية ستكون في اتجاه مناطق الشمال السوري التي تسيطر عليها تركيا. وهذا سيتم من خلال لجنة فنية بين الدول المضيفة وروسيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أشخاص مكلفين من النظام. ما سيفرض أن تكون اللجنة تقنية والجانب اللبناني لن يتمثّل بمستوى سياسي. ويشير المرعبي إلى أن الحريري طلب من مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان متابعة الأمر.