بعد انقضاء قرابة التسعة أسابيع على تكليف الرئيس سعد الحريري، تشكيل الحكومة، لم يحصل أي خرق يُمكن البناء عليه للخروج من الأزمة التي تلقي بثقلها على صدور اللبنانيين، فاتصالات التأليف تراوح مكانها، ولم تحرز أي تقدّم ولو طفيف على الطريق الذي يسلكه الرئيس المكلف إلى الحكومة التي يحلم بها، حتى أن موجات التفاؤل بقرب ولادة الحكومة، بعد كل جولة اتصالات ومشاورات يجريها الرئيس المكلف مع المعنيين الأساسيين بملف التأليف، غابت تماماً عن بيت الوسط وحلت محلها صورة مخالفة تماماً لأي تفاؤل بإمكانية ولادة طبيعية أو حتى قيصرية للحكومة في المستقبل المنظور استجابة من المعنيين لمتطلبات المرحلة الصعبة التي تستوجب قيام حكومة وحدة وطنية تعيد ثقة المواطن اللبناني بمسؤوليه وثقة المجتمع الدولي بالدولة اللبنانية. وما حملته الساعات الماضية من تطورات ومستجدات، ومواقف وتسريبات، سواء على جبهة الرئيس المكلف أو على جبهة رئيس الجمهورية وفريقه من التيار الوطني الحر وحزب الله وحلفائه في الثامن من آذار كشفت المغطّى بل نقلت أسباب الجمود الحاصل في ملف التأليف من الصراع المعلن على الحصص والاحجام والحقائب السيادية والخدماتية وغير ذلك الى الكباش على شكل وتركيبة وسياسة الحكومة المقبلة، أي إلى نفس المشهد الذي عاشه اللبنانيون عند تشكيل أية حكومة بعد العام 2005، والإنقسام العامودي العميق بين قوى 14 آذار وفريق الثامن منه، والذي كانت نتائجه وبالاً على الشعب اللبناني بكل أطيافه وفئاته كما كانت وبالاً على الدولة نفسها، ما زال هذا الشعب يعيش مآسيها وتداعياتها السلبية على حياته وحتى على مصيره..


وإذا كانت معضلة الغلبة لفريق على آخر داخل مجلس الوزراء قابلة للحل بتسويات، وتنازلات من هنا وهناك وتبادل مقاعد وزارية بين الأطراف كما كان يعتقد الرئيس المكلف ويجهد على هذا الخط، فإن تطورات الساعات الأخيرة أظهرت ان الخلاف الحقيقي الذي يعطل عملية التأليف هو على خيارات ومشاريع المرحلة المقبلة محلياً واقليمياً ودولياً، تماماً كما كان عليه الحال ما بعد العام 2005 وهي خيارات غير قابلة للعلاج بالسهولة التي عبّر عنها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، قبيل مغادرته الى الولايات المتحدة الاميركية تلبية لدعوة رسمية من وزير الخارجية الاميركية، والا ما الغاية من الدعوات التي تصاعدت مؤخراً إلى وضع صيغة النأي بالنفس التي أعادت الحريري إلى السراي الحكومي جانباً وإعادة تفعيل العلاقات اللبنانية - السورية من باب إعادة النازحين السوريين الى بلادهم؟ ولماذا الإصرار على جعلها أولوية الأولويات, بل لماذا ربطها بالملف الحكومي? ألا يدخل هذا الالتفاف ضمن مسار سياسي شامل هدفه محاصرة الرئيس المكلف وتكثيف الضغوط عليه لكي يرضخ للأمر السياسي الواقع الجديد الذي انتقلت فيه الأكثرية في البرلمان إلى فريق 8 آذار وفق ما عبر عنه بعد أيام قليلة من تكليف الرئيس الحريري، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني؟!