يوماً بعد يوم، تتكشف أبعاد تصريح قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني إبان تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة من ان «حزب الله» خرج من الانتخابات النيابية منتصراً وأحرز أكثرية نيابية تربو على 74 نائباً، ويعني بصريح العبارة ان من حصل على الأكثرية النيابية هو صاحب الحق الدستوري المطلق في تسلم السلطة من خلال امتلاكه الاكثرية المطلوبة في مجلس الوزراء.

ولم يكن صدفة ان يتزامن تصريح سليماني هذا مع كلام منسوب إلى رئيس الجمهورية عن رغبته في الاتيان بحكومة من الأكثرية النيابية، خلافا لرأي الرئيس المكلف بوجوب تأليف حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها على الأقل كل القوى الأساسية الفاعلة على الساحة الداخلية، لتكون قادرة على مواجهة كل التحديات من اقتصادية واجتماعية وتكون في الوقت نفسه جبهة متراصة لإبقاء لبنان بمنأى عن تداعيات المخاض الذي تعيشه دول المنطقة ولا سيما الأقرب إليه سوريا، على ان يؤخذ في الاعتبار عند توزيع الحصص على هذه القوى الفاعلة نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.

وعندما لم يصدر أي موقف مخالف من قصر بعبدا مضى الرئيس المكلف في مشاوراته مع رؤساء الكتل النيابية لتأليف حكومة تنسجم مع المبادئ التي طرحها والتي لاقت استحساناً وعدم ممانعة من الجميع، ولا سيما من رئيس الجمهورية الذي اعتبره اتفاق الطائف شريكاً اساسياً مع الرئيس المكلف في تأليف الحكومة وذلك وفق النص الدستوري بأن الرئيس المكلف يُشكّل حكومته بالتشاور مع رئيس الجمهورية.

وبناء على ذلك، بادر الرئيس المكلف بعدما استكمل جولة المشاورات مع الكتل النيابية إلى اعداد مسودة التأليف، ووضعها بين يدي رئيس الجمهورية املاً في الحصول منه على الموافقة وإصدار مرسوم التأليف قبل حلول عطلة عيد الفطر السعيد، لكنه بعد الاجتماع مع رئيس الجمهورية فوجئ بسلسلة اعتراضات على مسودة التأليف التي وضعها بحجة ان هناك مبالغة في توزيع الاحجام لا تتناسب مع نتائج الانتخابات النيابية وكان يقصد بذلك الحصة المعطاة في الحكومة العتيدة لـ«القوات اللبنانية» وللحزب التقدمي الاشتراكي، الأمر الذي جعل الرئيس المكلف ينكفئ عن التأليف، ويُعيد النظر في الحسابات التي بنى عليها تفاؤله بسرعة ولادة الحكومة التي يريدها ان تكون حكومته الأولى لاطلاق ورشة الإصلاح والتغيير التي رفعها شعاراً لترشحه لرئاسة الجمهورية وخاض حزبه الانتخابات النيابية على أساسها وان عمد بعد الانتخابات إلى صرف النظر عنها واستبدال شعار تكتل الإصلاح والتغيير بشعار «تكتل لبنان القوي»، وفي رأي الكثيرين ان هذه الخطوة للرئيس الحريري، كانت مفيدة لأنها أدّت إلى كشف الأوراق المستورة التي يستخدمها التيار الوطني الحر بالتفاهم مع حلفائه حزب الله وقوى الثامن من آذار لفرض حكومة الأكثرية التي يشكلها هذا التحالف على الرئيس المكلف والانتهاء كلياً من 14 آذار ومقولة حكومة وحدة وطنية تكون متوازنة، لا تشكّل غلبة لفريق 8 آذار على حساب فريق 14 آذار الذي ما زال يحافظ على روحيته بالرغم من كل ما اصابه في التسوية الرئاسية، وليس ما يطرحه فريق الثامن من آذار حالياً كمسألة التطبيع مع النظام السوري، وشطب عبارة النأي بالنفس والعودة إلى ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة سوى أدلة إضافية على الأسباب الخفية التي تكمن وراء الاستمرار في وضع العقبات والعراقيل في طريق التأليف لحمل الرئيس الحريري على القبول بما لا يستطيع ان يقبل به أو على الاعتذار؟