حرية التعبير لا تحتمل "ولكن". 

فإما أنتَ مع هذه الحرية وإما أنتَ ضدها.

ما نفع الحرية إذا كنتَ تحترمها، وقت تكون ترضيكَ، لكنكَ تحاربها عندما تزعجك؟!

إن معيار احترام الدول لحرية التعبير، لا يقاس بعدد "شعراء البلاط"، وإنتاجهم، بقدر ما يقاس بحرية المعارضين والهامشيين وحتى الأنركيين (الفوضويين).

لماذا هذه المقدمة؟

لأننا، ومنذ التسيعنات، ومنذ أيام ما كان يسمى بـ"النظام الأمني السوري اللبناني المشترك"، كانت الحريات تتعرض للقمع عند كل مفصل.

غالبا ما كان هذا القمع يبدأ بالنيل من حرية التعبير.

وغالباً ما كان يخرج منظّرو السلطة - ولكل سلطة منظّرون ومثقفون وخبراء - ليتحفونا بمقاربتين: الأولى، حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الأخر، والثانية أن الحرية مسؤولية.

رحل "النظام الأمني المشترك" وأصبحنا أحراراً.

أو هكذا قيل لنا.

لكن القمعيين وتوابعهم، لم يندثروا بل عادوا وبالمعزوفة نفسها.

غريب!

كم هم يفتقرون إلى الإبداع!

تراني، أشعر في بعض الأيام أنني أقرأ صحف حقبة الاحتلال السوري بين سطور بعض المقالات المنهمكة بالتنكيل والتفسيد على كل صوتٍ حُرّ.

لهولاء نقول: سئمنا منكم ومن تملقكم لكل سلطة وطاغية مرت على هذا البلد.

لا الحريةُ حريةٌ مطلقة. ونقطة على السطر.

حدود الحرية هي القانون.

وللمتفذلكين أقول إن الأعراف الدولية كما المواثيق التي صادق عليها لبنان، تسمو على القانون اللبناني.

لذلك، فإن حدود الحرية هي تفسيراتها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وافق عليه لبنان في السبعينات، وليست تفسيرات "أهلية بمحلية".

يشعر الكثيرون منذ أشهر بأن الخناق يشتد على الحريات.

فالاستدعاءات تتوالى ولأسباب عديدة.

لكن النتيجة واحدة: قمع كل خطاب معارض أو حتى مزعج للسلطات الحاكمة، أكانت سياسية، أم عسكرية، أم مالية، أم دينية أم ميليشوية .

هذه السلطة لم تعد تتحمل نكتة أو انتقاداً جارحاً أو مهذباً.

لكأنها قررت تحويل لبنان من واحة حرية يقصدها المضطهدون في الشرق الى صحراء قمعية يهجرها الأحرار .

هل نسكت حتى تصل إلى رقابنا، مقصلة الرقابة وترهيب التعهدات والتوقيفات والتخويف؟

بضعة شابات وشبان، منهم الناشط ومنهم المنكبّ على محاربة رغبة الهجرة التي تلاحق كل من يريد العيش بحرية، استفزهم ما يحصل، وخصوصاً ما صدر أخيرا من قرارات، كمنع شخص من استخدام الـ"فايسبوك" لمدة شهر، أو كم قال شربل خوري "لقد ختموا عقلي بالشمع الأحمر".

هؤلاء الشابات والشبان استفزتهم هذه التصرفات، وأرادوا أن يقولوا للسلطة إنهم لا يخافون وإنهم مستعدون للدفاع عن حرياتهم.

هذا دليل عافية.

لأن السلطة على رغم الملاحقات لم تستطع أن تقتل الأمل فينا.

اللامبالاة قاتلة. لذلك على كل إنسان يعيش في هذا الوطن، أن ينتفض يوم غد الثلثاء على طريقته. ومن يستطيع، فعليه بالنزول الى ساحة سمير قصير، من دون أية شعارات حزبية، تعبيراً عن وقفة صامتة لأحرار يرفضون الخوف ويرفضون الإذعا، ويريدون فقط تذكير الجميع بأن لبنان هو الحرية ومن دونها يذوب ويندثر.

(وديع الأسمر)