هل يُسحب التكليف من سعد الحريري؟ وما النتائج المُترتّبة على ذلك؟
 

السؤال المطروح عند هذا المفترق الذي لا نتمنى أن يكون منزلقاً، هل هذه التسوية التي تمت ما بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، وشاركهما في ذلك الدكتور سمير جعجع والزعيم وليد جنبلاط تحتاج إلى الإجابة عنها لإزالة القلق الوطني عن مصير هذه التسوية ومرتكزاتها الوطنية السليمة؟ 

ففي هذا السياق لا يوجد مبرر لتحديد المواعيد: تشكيل الحكومة أسير شرك كبير. لا يتعلق بما يقال عن خلاف على الصلاحيات الدستورية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ودخول أكثر من طرف على خط التأليف. ولا التفاهم الكامل على الصلاحيات الدستورية يكفي لتحرير التشكيل من الشرك. فالبلد محكوم بالغلبة لا بالدستور وان كان الكل يطالب بالاحتكام الى الدستور. ومن يعرقل تأليف الحكومة ليس جهة واحدة وما يعرقل التأليف ليس قضية واحدة. 

ان الصراع على الحصص في الحكومة ليس المشكلة. فلا بد من المحاصصة في حكومة وحدة وطنية، حيث لا وحدة وطنية. كما انه ليس مجرد صراع على مواقع في السلطة من دون أبعاد سياسية. واذا كانت العقد داخلية، كما يصرّ المسؤولون على القول لأسباب عدة، فان الاهتمامات والرقابة والخطوط الحمر خارجية. واذا كان القاسم المشترك في الخطاب الاقليمي والدولي هو حثّ اللبنانيين على الاسراع في تأليف الحكومة، فإن ما وراء الخطاب هو التوقف أمام التوجه السياسي للحكومة أكثر من برنامجها الاقتصادي. وهما الغائبان عن الجدل الحاصل في الداخل، وإن كانا حاضرين في جوهر اللعبة. 

إقرأ أيضًا: ممارسة شدّ حبال حكوميًا… فهل تُعبّد سياسة اللقاءات طريق التأليف؟

ولا مندوحة للهرب من الواقع، مهما يكن التشاطر مزدهراً: العرقلة تأتي من طرفين على الأقل من أجل أكثر من قضية، وهي قضايا تبدو معالجتها متروكة للبنانيين في الشكل، وتتعلق في الجوهر باللعبة الداخلية التي صارت العقد فيها معلنة، وباللعبة الاقليمية والدولية التي تقود اليها الأبعاد السياسية للعقد والصراع على الحصص. 

الطرف الأول: هي الأطراف التي تتصرف على أساس انها منتصرة في الانتخابات وفي حرب سوريا والتحولات الأخيرة لمصلحة النظام. وما تريده هو حكومة تؤمّن الثلث الضامن للحكم ومعه الثلث الضامن للتحكم، بحيث تكون حكومة الحزب الحاكم وحكومة الحزب المتحكّم. أما دورها، فإنه تكريس موقع لبنان في المحور الاقليمي الذي تقوده ايران، ومن ضمنه سوريا والعراق. وهذا أمر دونه عقبات وحسابات معقدة، بحيث يتعثّر التأليف. 

والطرف الثاني: هي الأطراف التي تدرك حاجة لبنان الى العرب والغرب في أمور كثيرة. وتعرف خطورة انضمام لبنان الى المحور الايراني الذي يواجه استراتيجية أميركية عنوانها كبح النفوذ الايراني، ومساع لتفاهم أميركي - روسي على تسوية سياسية تنهي حرب سوريا. وتعرف أيضا صعوبة ان ينضم لبنان الى المحور الذي تقوده السعودية، وتحرص على ابقاء لبنان خارج المحورين من خلال حكومة متوازنة تجسّد سياسة النأي بالنفس. وهذا ما يعرقل تأليف حكومة المحور الايراني. كأن الأدوار تبدّلت في محور الممانعة.

ليس مأزق تأليف الحكومة سوى انعكاس لمأزق أعمق يدور فيه لبنان حاليا. مأزق المواجهة المطلوبة للتحديات الجديدة أمام سياسة النأي بالنفس. مأزق الخيارات المحددة التي تتطلبها مرحلة التسارع في التحولات الاقليمية والدولية ضمن الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها. 

إقرأ أيضًا: هل من مصلحة البلد الإنقلاب على الحريري؟

والمجال ضيّق جدا للخروج من مأزق اللاحكومة إن لم نضمن المخرج من مأزق الموقع اللبناني على خارطة التحولات المتسارعة في سوريا والعراق واليمن والمتصلة بالخط الذي فتحته قمة هلسنكي الأميركية - الروسية، وأي بحث عن مخرج من مأزق اللاتأليف غير المخرج الطبيعي، وهو التفاهم على حكومة، يبقى نوعا من تمارين في العبث. وأخيراً الخضوع للدستور والالتزام بمصلحة الوطن العليا هي الخطوة الذهبية التي تصون الوطن والمواطن.

ذلك أن مشكلة الراغبين في سحب التكليف من الرئيس سعد الحريري ليست غياب نص في الدستور، ولا افتقاد أعراف، ولا نقص في القدرة على الاجتهاد القانوني. حتى عندما كان دستور ما قبل الطائف يسمح به، فإن الواقع السياسي منع اللجوء اليه، فبقي الرئيس رشيد كرامي رئيسا مستقيلا مكلفا معتذراً على مدى سبعة أشهر خلال عهد الرئيس شارل حلو. وكان الخلاف بالطبع على السماح أو اللاسماح للمنظمات الفلسطينية بالعمل الفدائي من أرض لبنان، وهو ما انتهى باتفاق القاهرة وتأليف الحكومة. مشكلة سحب التكليف حالياً هي الاصطدام بالمعادلة التي بنيت عليها التسوية السياسية في خريف ٢٠١٦. التسوية التي فتحت باب القصر الرئاسي أمام العماد ميشال عون، وأعادت الرئيس الحريري الى السراي، وضمنت عمليا بقاء الرئيس نبيه بري في موقعه على رأس السلطة التشريعية. 

المنطق الذي برّر المعادلة هو: السلطة للقوي في طائفته. وهو منطق منصف، لكنه خطر في الوقت نفسه. ايجابياته كثيرة لكن سلبياته ليست قليلة. إذ حتى لو أعلن الحريري الاعتذار عن عدم التكليف، فان ذلك يوقعنا في مأزق: لا بد من اعادة تكليفه، لأنه لا بديل منه ما دام الأقوى سنياً، إلاّ اذا تخلينا عن معادلة السلطة للقوي في طائفته. 

ومع ما في المعادلة من ايجابيات، أهمها إعطاء السلطة في نظام ديمقراطي تمثيلي للمستحقين من الأقوياء الممثلين لطوائفهم، فإن السلبيات باهظة الكلفة: من فرض أحاديات دائمة لا بدائل منها، ولو تجاوز الخلاف بين الزعماء الحرب السياسية الباردة، الى فرض شغور رئاسي طويل حتى تنضج ظروف انتخاب المرشح القوي الوحيد وتعثر مؤكد في تأليف الحكومات. فضلا عن تحوّل الحكومة فيديرالية وحتى كونفيديرالية لمربعات مذهبية يقدّم كل قوي في المذهب ممثليه اليها بنوع من الاستقلالية بلا تفاعل بين المكونات. 

والتسوية تهتز لأسباب داخلية وخارجية وهذه وصفة للسقوط في الهاوية.