القوّات ملتزمة بمواقفها ولا إمكانية للتراجع وهذا ما يضع القوات في طريق الصح السياسي كونها جهة لا تبيع ولا تشتري ولكنها تناضل لتحسين شروط التمثيل السياسي
 

انتهى الدور النضالي لأحزاب الطائف باستلامها مسؤولية السلطة كعربون هدية لسنين من الكفاح المستمر لإسقاط المارونية السياسية والبدء بسلطة تضم الطوائف مجتمعة وتقودها الطوائف الكبرى.

آنذاك لم تفهم القوّات اللبنانية أن الاتفاق مشروع اقليمي دولي واعتقدت أنها تستطيع الاستمرار في مشروعها الطائفي فاستنكفت ورفضت الدخول في الطائف من باب التوزير السياسي والمحاصصة المقبولة مع شركائها الآخرين في المرحلة الأخيرة من الحرب الأهلية.

رفضُ القوّات أدخل قائدها السجن وجعلها ملاحقة سورياً بحيث انتهى دورها الفعلي كقوّة عسكرية نافحت كل القوى المسيحية وغير المسيحية وأحزاب الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية وأحزاب الطوائف وانتهى بها مطاف الحروب الى نهاية غير سعيدة بسجن قائدها وهذا لم يحصل في التجربة اللبنانية اذ لم يتم اعتقال وسجن قائد سياسي من قامة الدكتور سمير جعجع وهذا ما جعله علامة فارقة من بين القيادات اللبنانية التي انتهى دورها السياسي ولكن لم يكن مصيرها مشابهاً لمصير سمير جعجع.

بعد الاعتقال والسجن غادر قائد القوّات وودّع المفاهيم التي أوصلته الى السجن وانخرط في دولة الطائف وصحّح مساره السياسي بطريقة استثنائية أيضاً اذ لم يبادر حزب لبناني الى تصحيح الخلل القائم في تجربته السياسية المحاطة بكثير من الأخطاء بل إن الكثيرين من اللبنانيين أسرى تجاربهم السيئة ويدافعون عنها رغم تبيان فداحة أخطائها.

إقرأ أيضًا: أسد المسيحيين وموارنة الأسد

 

هذه المغادرة الطوعية لقائد القوّات دفعت بالحزب الى الاستمرار في نضاله ولكن ضمن المسموح القانوني وتحت سقف الدولة وشبك تحالفات جديدة مع قوى وتيارات كان يختلف معها سابقاً وكان دوره الطليعي في 14 آذار فرصة سانحة لعودة القوّات الى صفوفها الأولى من خلال شراكة سياسية مع رموز كبار أعطوا القوّات ما أخذوا منها من دور وحضور أضفى على تشكيلة 14 آذار بعداً وطنياً لامس جوهر التركيبة الطائفية في لبنان ولكن من موقع النضال لقيام الدولة من مدخل السيادة والحرية والاستقلال.

 بعد النهاية المؤلمة لجماعة 14آذار وتفرّق قياداتها في اتجاهات أخرى بحثاً عن أحلاف تعطي كل جهة ما فقدته في مرحلة من الخلاف الجذري مع جماعة 8 آذار والتي لم تحصد من الخلاف خيراً بقدر ما حصدت خيبات أمل جرّاء هزالة الرؤية لدى فريق السيادة. شعرت القوّات بحجم الحصار المفروض عليها من قبل من كانوا حلفاء لها وكانت حساسية الانتخابات الرئاسية تفرض ضغوطاً كبرى على موقف القوّات منها ولكن ابتعاد المستقبل عن القوّات وميل الحريري الى التيّار جرف ما تبقى لدى القوّات من أمل تجاه رئاسة كانت مستحيلة بالنسبة لقائدها وشبه مستحيلة بالنسبة لرئيس التيّار ودفع الى أن تظّهر القوات صورة صداقة مع التيّار الوطني الحرّ فكان اتفاق معراب بداية شراكة بين القوتين الأساسيتين في الوسط المسيحي والماروني تحديداً.

فوز القوات الكاسح في الانتخابات النيابية رفع من مستوى تمثيلها السياسي من خلال الصرخة المسيحية الشعبية التي أكّدت دور القوّات القوي في الساحة المسيحية وهذا ما أربك التيار وجعله يبحث عن معوقات صعود القوّات الى السلطة بحسابات أكبر من السابق وهنا تعذر الوصول الى حل بين الموقعين على اتفاق معراب وسقط التفاهم بين الثنائي الماروني ولم تفلح زيارة الحكيم للرئيس في بعبدا وبقيّ سجل الخلاف مفتوحاً رغم ما يشاع عن تفاؤل من هنا وهناك لحل عقدة الخلاف ما بين القوّات والتيّار.

حتى اللحظة تبدو القوّات ثابتة على موقفها من حصتها الوزارية واذا ما حصلت عليها يعني أن القوّات ملتزمة بمواقفها ولا إمكانية للتراجع وهذا ما يضع القوات في طريق الصح السياسي كونها جهة لا تبيع ولا تشتري ولكنها تناضل لتحسين شروط التمثيل السياسي الذي تحرص من خلاله القوّات على قيام السلطة بصورة مختلفة عن صورها السابقة.