40 عاماً في العطاء والتبرع بالدم، بالرغم من خوفه من الدم، لكن ذلك لم يمنعه من التبرع متخطياً خوفه لأكثر من 11 سنة. كان يعطي دون ان ينظر حتى الى تلك الإبرة التي كانت تسحب منه قطرات الدم لتدخل في جسم مريض ينتظر المساعدة.
 

يعطي دون سؤال، لا ينتظر نداء حتى يستجيب. كان يذهب بنفسه للتبرع، ويتقصد ذلك لأنه يعرف قيمة العطاء وما يمكنه ان يُغيّر في حياة الآخر. لم يمل داني تيناوي من العطاء، ومسيرته الطويلة جعلته يصبح أكبر متبرع بالدم في لبنان. لم يسأم هذه الإجراءات الروتينية كما لم يسأم الإبرة التي تنغرس في عروقه، لم يسأم ذلك العهد الذي قطعه على نفسه بعد تجربته الأولى مع التبرع بالدم. 

لكل قصة بداية، وبداية داني كانت في ظروف قاسية وحزينة. يتحدث عن تجربته مع التبرع بالدم، مستعيدا ذكرياته، ويعود الى المرة الأولى التي تبرع بها. يقول: "كنا في حرب الـ100 يوم، حرب قاسية ودموية "تنذكر وما تنعاد"، كان القصف شديداً والتنقل من منطقة الى أخرى أشبه بالإنتحار. أُصيب صديقي الحميم في يده في منطقة المتحف ونقلناه على وجه السرعة الى المستشفى. تجربتي الاولى مع التبرع بالدم كانت بالصدفة، لم نقصد ذلك لكن الظروف حتمت علينا التحرك سريعاً. كان صديقي ينزف بقوة ويحتاج الى كميات كبيرة من الدم فوراً. لم أفكر لحظة، كانت ردة فعلي تلقائية حيث تبرعنا جميعناً بالدم لإنقاذه. شعرتُ في تلك اللحظة بأهمية ان تخفف على المريض عذابه وتساعده."

 

من خيبة الى إلتزام

يتذكر داني عندما كان في سن الـ15 أنه توجه للمرة الأولى للتبرع، قالوا له آنذاك "عُد بعد 3 سنوات حتى يصبح بإمكانك التبرع، عُدك خائباً من هناك". 

مرافقٌ تربوي في مدرسة سيدة الجمهور منذ 20 عاماً، رياضيٌ سابق ومتبرع بالدم ملتزم منذ 40 عاماً، يحمل داني شعلة العطاء في مسيرته ووجدانه. مقتنع وملتزم قضية التبرع بالدم، يحب ان يعطي دون سؤال، وهذا الحب نقله الى طلابه الذين أصبحوا اليوم متبرعين أيضاً حيث رافق نحو 10 آلاف شخص للتبرع بالدم.

ضحكته لا تفارقه، يتحدث داني بأسلوب مرح وفكاهي يجعلك تبتسم عند سماعه. لديه الكثير ليقوله، لا يريد ان ينسى اي تفصيل صغير. هو الذي يعرف ماذا يريد منذ البداية، وملتزم حتى يومنا هذا. يؤكد انه "من قصة التبرع مرة كل السنة الى كل 56 يوماً، تغيّرت مفاهيم التبرع وشروطه وأصبحتُ أتبرع كل شهرين تقريباً دون انقطاع. "ورح ضل اعطي حتى يقولولي ما بقى فيك كرمال صحتك، ساعتها بوقف".

 

شعور المحبة يختذلك

رسالة واحدة يشدد عليها داني طوال حديثه: "على الإنسان ان يعطي أخيه الإنسان بلا مقابل وبلا حدود. شعورٌ لا يوصف ان تساعد انسان متألم وتخفف عنه هذا العذاب دون ان تعرفه". لا ينسى داني هذا التاريخ 17/7/2018 الذي يُصادف فيه يوم ميلاده ويوم تكريمه لعطائه اللامتناهي لمدة 40 عاماً. يصف ذلك الشعور بأنه "من أجمل ايام حياتي، كانت سهرة من العمر إحتفلنا بها لمناسبة 40 عاماً من العطاء. مفاجأة لن أنساها بفضل جمعية "العطاء بلا مقابل" Donner sang compter لتقول لي شكراً على طريقتها."

يصعب على داني إيجاد الكلمات ليصف شعوره ومدى أهمية التبرع بالدم. "شعور المحبة يختزلك كلما ساعدت شخصاً متألماً، "ما في أصعب من شخص بحاجة لمساعدة وما يلاقي حدا حدو". يفاجأ الناس بداني، كيف لشخص في سنه ان يتبرع بالدم. في رأيه، اللبناني كريم ومعطاء لكنه غير مطلع على تفاصيل التبرع. نحن في حاجة الى كل نقطة دم، فلبنان يحتاج الى 300-400 عينة دم يومياً، جمعية "عطاء بلا مقابل" تؤمن 10% في حين ان الباقي يتوقف على المبادرات والنداءات الإنسانية والمساعدات."

التبرع بالدم صار إدمان

يعترف داني بأننا "نفتقر الى التوعية في هذه المسألة. بالنسبة اليه "يجب غرس هذه الثقافة منذ الصغر حتى تنمو في داخل الطفل ويصبح عطاء الدم بمثابة محرك انساني في حياته.عسانا نصل الى مرحلة يصبح همّ الشاب التبرع بالدم للمرة الاولى في سن 18 عوض الركوض وراء" دفتر السواقة". 

محطات مؤثرة وإنسانية طبعت حياة داني وأهمها "لحظة تبرعت مع ابني بالدم للمرة الاولى في إحتفال في بيروت. كنتُ في مقابلة تلفزيونية مباشرة على الهواء ورفضت ان أمثل اني أتبرع بالدم، وكانت المفاجأة عندما جاء ابني ليتبرع بدمه في عمر 18 عاماً. "

ويختم حديثه: "ما تنطر حدا، روح تبرع بدمك، انا صار عندي إدمان، روحوا اعطوا انتو وعم تبتسموا، صحيح انو الدم مش حلو بس هوي هدية حلوي لكل يلي ناطرا".