قاسم سليماني قد يتخلى عن سوريا نتيجة الضغوط الأميركية المتوقعة، ولكن من المستحيل أن يتخلى عن العراق
 

عندما شعر الخليفة المعتمد أحمد بن المتوكل (256 – 279 هـ) بخطر حركة الزنج فعهد المعتمد إلى أخيه الموفق طلحة بن المتوكل بمحاربة الزنج؛ فاصطدم مرارًا بهم في عدة واقعات، ولكنه في إحدى السنوات وردته أخبار عن تمرد في بلاد فارس فترك الموفق البصرة وتوجه بجيشه إلى إيران، فانتهز علي بن محمد الفرصة وأعاد سيطرته الكاملة على البصرة وضواحيها، وأطلق لجماعته من الزنج العنان يستولون على ما يشاءون من أملاك ونساء الأثرياء ووجهاء المدينة حتى عم الخراب! 

عندها عاد الموفق بجيشه من إيران ودارت معارك عظمى بينه وبين جماعة الزنج إنتهت باندحارهم ومقتل زعيمهم علي بن محمد واستسلم من بقى من أتباعه! 

يقول السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء (ولما قتل هذا الخبيث دخلوا برأسه بغداد على رمح وعملت قباب الزينة وضج الناس بالدعاء للموفق ومدحه الشعراء وكان يومًا مشهودًا ... بالقضاء على حركة الزنج).

وأُسْدِلَ الستار على هذه الحركة التي قضَّت مضاجع الخلافة العباسية، وكلفتها الكثير من الجهد والأموال والأرواح ولكن الناس قالت : نصر بعد خراب البصرة!! 

وكأن التاريخ يعيد نفسه بأشكال ومسميات مختلفة، فالبصرة اليوم هي الخط الدفاع الأخير أمام النظام الإيراني بعد أن خسر سوريا (بحسب اتفاق هلسنكي)، وخسر قبلها لبنان كأداة ضاغطة بالسياسة الإقليمية (بحسب القرار الدولي 1701) واليمن على طريق الخروج من سيطرة الحوثيين بعد سقوط الحديدة المحتم ومينائها .

إقرأ أيضًا: أميركا لن تسمح بتشريع الحشيشة

مما يعني أن العراق يُشكل الآن آخر متاريس هذا النظام الذي لم يصدر لنا ولمنطقتنا إلا قاسم سليماني وحروبه العبثية ظنًا منه أن بذلك يبعد كرة النار عن بلاده، بدون أن يقدم نموذج قائم على الفساد والفوضى والصفقات وعبر تسليم ثروات العراق لعملائه ينهبونها على حساب الشعب العراقي المسكين.

أثبت النظام الإيراني أنه لا يمتلك أي رؤية سياسية أو إقتصادية، اللهم إلا تصدير شعارات وعناوين أكل عليها الدهر وشرب، وهذا هو ديدن النظم الإيديولوجية العقيمة، التي لا تنتج ولا "تصدّر" الا الحروب والخراب ليس لشعوب المنطقة فقط بل وحتى لشعوبها أيضًا.

فيصبح هدف بقاء النظام واستمراريته هو الأولية القصوى التي من أجلها ننتظر أن يفعل هذا النظام أي شيء (مع خطين تحت أي شيء)، لأنه يعتقد خطأً أن فشله السياسي هو ترجمة حتمية لفشله العقائدي، مما يدفع به الى نهايات مأساوية له ولمؤيديه وهذا ما نتوقعه في العراق العزيز.

فقاسم سليماني (كرأس حربة النظام)، قد يتخلى عن سوريا نتيجة الضغوط الأميركية المتوقعة، ولكن من المستحيل أن يتخلى عن العراق وترك هذا البلد يحكم من شعبه ومن خلال ما أفرزته الإنتخابات النيابية الأخيرة، وسيتعامل مع التظاهرات المطلبية المحقة وكأنها "مؤامرة" تستهدفه هو بغض النظر عن ما يعانيه الشعب العراقي من ضيق ومعاناة ومآسي يتحمل هو كل مقدماتها وأسبابها، وبالتالي فإن النظام الإيراني مرة جديدة لن يتخلى عن العراق إلا بعد خراب البصرة (حمى الله العراق).