على ما يبدو أنّ حبراً كثيراً سيسيل قبل أن تسلك عمليةُ تأليف الحكومة العتيدة مسارَها الدستوري. فالاتّصالات الأخيرة لم تحسم الصيغة التوافقية التي تؤمّن «الولادة الطبيعية». وعلى رغم كثرة العوائق فقد حصرت مراجع معنيّة العُقد المستعصية بثلاث: أحادية التمثيل الدرزي والسنّي وامتلاك العهد «الثلث المعطّل». وهي معادلات يرفضها التياران «الأزرق» والبرتقالي. فما الجديد؟ وما هو المقترَح؟
 

على رغم كل الأجواء التي رغبت الهيئات الإقتصادية بنقلها الى الرأي العام من عين التينة و»بيت الوسط» خلال نهاية الأسبوع الماضي بغية الإسراع في تأليف الحكومة، فقد تبرّأ الجميع من شكلها والمضمون والتوقيت، وذهب البعض الى تبريرها على أساس أنها صدرت عن شخص موعود بالدخول الى «الجنّة الحكومية» ويسعى اليها قبل أوانها غير خاشٍ القول المأثور: «مَن إستعجل الشيء قبل أوانه عوقِب بحرمانه».


والى هذه الرواية التي أحيت الأمل بتشكيلة حكومية قريباً، برزت معوقات جديدة - قديمة تهدّد مساعي التأليف، حيث لا تقف الأزمة عند العقد التي يرغب البعض وضعَها في أول سُلّم العقبات التي تعوق ولادة الحكومة وتمنع التوصّل الى تشكيلة وزارية توافقية كانت منتظرة منذ أيام.


وبعيداً من المعادلات المسرّبة التي حدّدت أولوية العقد بالعقدة المسيحية وحصة «القوات اللبنانية» من «الكعكة الحكومية» ووصفتها بأنها الأصعب، فقد حصر أحد العاملين في الطبخة الحكومية ما يعوق التأليف بعقدتين مستعصيتين حتى الآن وتتمثلان بإصرار باسيل على «الثلث المعطل» وإصرار الحريري على «احتكار التمثيل السنّي»، ومثله «الحزب التقدمي الإشتراكي» المصرّ على «احتكار التمثيل الدرزي» سعياً الى استعادة دور «بيضة القبان» الذي فقده قبل سنوات عدة، وتحديداً منذ بداية العهد الحالي.


ويُقال كلامٌ كثير عن المعوقات التي حالت دون لقاء الحريري وباسيل في اطار البحث في التأليف قبل أن ينقل الى رئيس الجمهورية أيّ تشكيلة وزارية جديدة.


وفي رواية مصادر قريبة من العهد أنّ الحريري «ارتكب اكثرَ من خطأ تكتيكي وضعه في موقف غير وسطي على صعيد تأليف الحكومة ما زرع الشكوك بوجود عقد أبعد من الداخل يسعى البعض الى حجبها بالعقد الداخلية».


ومن هذه الأخطاء أنّ الحريري عقب تفاهمه مع رئيس الجمهورية على توزيع الإتّصالات والأدوار لتفكيك العقد الحكومية، التقى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ولو أراد حلّ العقدة المسيحية لكان التقى باسيل أيضاً. كذلك التقى جنبلاط، ولو اراد حلّ العقدة الدرزية لكان التقى ايضاً رئيس الحزب الديموقراطي الأمير طلال ارسلان.


ولم يلتق الحريري ايضاً الى الآن النواب السنّة العشرة الذين يرغبون بتمثيلهم في الحكومة كونهم يشكّلون ثلث التمثيل السنّي في المجلس النيابي، وهو لم يعترف بوجودهم بعد. واكتفى بمصادرة تمثيلهم بلقائه مع رؤساء الحكومات السابقين معتقداً أنّ إبعاد الرئيس نجيب ميقاتي عن النواب الآخرين يُنهي وجودَ أيّ تكتل سنّي يجمعهم ويوحّدهم.


والى شكوى هؤلاء النواب من سعي الحريري الى احتكار التمثيل السنّي، يتّهمه البعض بتشجيع جنبلاط على احتكار التمثيل الدرزي. وهو الذي تخطّى مرحلة توزيع الحصص الوزارية الى تسمية وزرائه الدروز الثلاثة وهم النواب: اكرم شهيب، وائل ابو فاعور، صلاح ابو الحسن.


على أنّ ما رشح من اللقاء «على الواقف» بين الحريري وباسيل في ساحة النجمة أمس الأول لا يشي بتفاهم قريب بينهما سواءٌ التقيا مجدداً أم لا، إذ وفق مطّلعين أنّ باسيل ابلغ الى الحريري إصرارَه على 11 وزيراً لـ»التيار» ورئيس الجمهورية، فردّ الحريري رافضاً بشدة «الثلث المعطل» لأيٍّ كان وليس للتيار والرئيس فحسب. وعندما أبلغ الحريري الى باسيل إصرارَه على احتكار التمثيل السنّي في الحكومة، وكذلك إصرار جنبلاط على التمثيل الدرزي، ردّ باسيل رافضاً امتلاك أيٍّ كان «الميثاقية المذهبية».


ولذلك، وفي ضوء هذا الرفض المتبادل لمثل هذه العناصر المؤثرة في ولادة الحكومة، يبدو مستحيلاً تفكيك هذه العقد المتشابكة والمتفجّرة قريباً.