حتى الأمس كان تشريع الحشيشة "نكتة" يستخدمها اللبنانيون في جلساتهم، وحلماً يراود أهالي منطقة بأكملها عانت من التهميش والحرمان حتى كفرت بالدولة وهيبتها. لكن ما إن قال رأس الهرم التشريعي نبيه بري أمام السفيرة الأميركية في لبنان إليزابيث ريتشارد إن "المجلس النيابي بصدد التحضير لدرس وإقرار التشريعات اللازمة لتشريع زراعة الحشيشة وتصنيعها للاستعمالات الطبية"، وكلف لجنة اختصاصيين لإعداد صيغة لاقتراح القانون المتعلق بزراعة القنب الهندي، حتى بدأت تتحول المزحة إلى أمر واقع والحلم إلى حقيقة.

وأعلن بري في وقت سابق أنه أعد مشروعاً لتشكيل "ريجيه" أو إدارة لنبتة الخشخاش في البقاع، كما هي الحال مع ريجيه التبغ في الجنوب، إذ تقوم الإدارة بشراء المحاصيل من المزارعين وتأمين الأسواق لها. وجاءت مواقف بري بعد أيام مما أوصت به الخطة الاقتصادية للبنان التي أعدتها شركة "ماكينزي" الأميركية بناء على طلب الحكومة من الاستفادة من الحشيشة التي يُتوقع ان تدر نحو مليار دولار لخزينة لبنان ما سيساهم في تحريك العجلة الاقتصادية ويفتح للبلاد آفاقا جديدة في الاقتصاد.

وهي التوصيات التي علّق عليها مرجع وزاري في حديث لـ"ليبانون ديبايت" قائلاً: "هل كنا مضطرين لدفع مليون و300 ألف دولار لتخبرنا ماكينزي ما نعرفه ونطالب به منذ سنوات، أم أن المعنيين في لبنان لا يؤمنون إلا بطروحات مدفوع ثمنها ملايين الدولارات".

طرحٌ حاز على إعجاب وتأييد عدد كبير من نواب المجلس، وهلّل له اللبنانيون عموماً وأهالي البقاع خصوصاً، إذ إن في البقاع مساحات واسعة من الأراضي تؤمن بيئة حاضنة وصالحة لزراعة الحشيشة. وتصل مساحة السهل في بعلبك الهرمل من دون احتساب مساحة المنحدرات على جبال لبنان الشرقية والغربية إلى 600 ألف دونم، أي 600 مليون متر مربع يمكن زراعتها، بحسب دراسة بسيطة قام بها مهتمون بالشأن الإنمائي في بعلبك، أثبتت أن زراعة 100 ألف دونم من الحشيشة يؤمن للمزارعين 50 مليون دولار سنويا، أي 500 دولار عن كل دونم.

"لا رقم دقيق للأموال التي سيدرها تشريع الحشيشة في خزينة الدولة، ولكن بالتأكيد الرقم يتجاوز المليار دولار" كما يؤكد الخبير الاقتصادي غازي وزني، ويرى أن تشريع الحشيشة يخدم الهدف الرئيسي من وراءه وهو إفادة الاقتصاد الوطني وخزينة الدولة، وهو عامل مساعد لميزان المدفوعات وتحسين الصادرات والاستقرار النقدي.

ويلفت وزني إلى أن النموذج الأفضل لإدارة زراعة هذه النبتة هو الاستفادة من التجربة الداخلية "الريجيه" والتجارب العالمية، لأن نجاح هذا الطرح مرتبط بشكل وثيق بتنظيمه، الذي يحدد مسار نجاحه أو فشله، وهو ما يحتاج لدراسة تنظيمية لا اعتباطية للموضوع.

كما أن هذا الطرح سيكون باباً واسعاً لإنماء البقاع على مختلف الأصعدة، وأهمها خلق فرص عمل لأبناء المنطقة، فصادرات سنوية بين مليار وملياري دولار ستساهم حتماً بإنماء فعلي للمنطقة.

وعن دراسة ماكينزي وأهميتها لا سيما أنها أتت بحل لطالما تم طرحه من عدة مسؤولين واختصاصيين في لبنان، يقول وزني لـ"ليبانون ديبايت" إن أهمية هذه الدراسة تكمن في أنها أمنت غطاء خارجياً ودولياً لتشريع الحشيشة في لبنان، ما يعني أنها ساهمت بتسويقها عالمياً، كونها شركة رائدة أميركية ومصدراً موثوقاً لدى دول العالم.

بينما كان للخبير الاقتصادي جاسم عجاقة رأي مختلف في هذا الموضوع، ويرى أن مدخول المزارعين من الحشيشة سيكون متدنٍ جدا، وكأي مردود لأي زراعة أخرى، أما الإفادة ستقتصر على عدد محدود من التجار الذين سيؤمن لهم غطاء سياسياً، علماً أن الاستنسابية ستكون سيدة الموقف على اعتبار أن الحكومة ستحدد الأراضي التي يتم زراعتها بالحشيشة من الأخرى.

ويرفض عجاقة التسويق لنظرية أن تشريع الحشيشة هو باب لمحاربة الفقر في البقاع، ويرى أن مليار دولار هو رقم مشكوك فيه، لأن التهرب الضريبي في لبنان موجود بشكل كبير، لدرجة أن ضبط التهرب الضريبي بشكل جدي يمكّن الدولة من تحصيل مداخيل بقيمة تفوق 5 مليار دولار. ويجزم أن الدولة مع التهرب الضريبي وكلفة ضبط الزراعة وتصديرها ستكون خاسرة.